بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3299)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا المواطنة (س)، توفي زوجي (ع)، ولم يسدد مؤخر الصداق، وهو خمسون ليرة ذهبية، وترك شقة بيعت بعد وفاته، بقيمة ستة وسبعين ألف دينار، فهل يسقط مؤخر الصداق بوفاة الزوج، أم هو دين في ذمته؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الصداق هو ما تستحقه الزوجة من الزوج بسبب النكاح، وهو حق خاصّ بها، وقد فرضه الله تعالى على الأزواج، قال تعالى: (وَءَاتُوا النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء:4]، وقال عز وجل: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) [النساء:24].
فإذا توفي الزوج قبل أدائه، أُخذ من ماله قبل إخراج الوصايا ـ إن كان ثمة وصايا ـ وقبل توزيع التركة على مستحقيها، وإذا لم يترك الميت من المال إلا قدر مؤخر الصداق، أخذته المرأة، أو من خلَّفته من ورثتها، ويجب على الورثة إخراجُ مؤخرِ الصداق كاملًا، قبل أن تقسم التركة، دون تأخير في ذلك؛ لأنه دين في ذمة الميت، يجب أن يؤدى قبل قسمة التركة كسائر الديون, قال الله تعالى في آية المواريث: (مِنم بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَو دَيْنٍ) [النساء:11].
فإذا كان مؤخر الصداق مكتوبًا في العقد ليرات ذهب، دون تقدير قيمة لها في العقد بالدينار الليبي، فالحق الثابت للمرأة أن تقبض مهرها ليرات ذهب، كما هو مكتوب؛ لأنها عين الدين، وإذا رضيت بأخذ قيمتها فلها ذلك، ولكن بالسعر الذي ترضاه هي، لا أن يُفرض عليها من قبل الورثة، أو أقارب الزوج المتوفى؛ لأن هذا عقد مصارفة جديد، لا علاقة له بعقد الزواج، والعقود شرطها الرضا بالإجماع؛ لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه) [أحمد:20695].
وعليه؛ فإذا رضيت المرأة بأخذ القيمة، فلا يجوز لأحد أن يفرض عليها سعرًا معينًا، لا سعر المصرف المركزي ولا غيره، دونَ رضاها، مع التنبه إلى أنه إذا رضيت بأخذ قيمة الليرات نقودًا، فالواجب أن يتم دفع القيمة في مجلس الاتفاق، دون تأخير؛ لأن أخذ النقود عن الذهب من الصرف، الذي يجب فيه التقابض في المجلس؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد) [مسلم:1587]، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، وإذا لم يقدر الورثة على دفع القيمة كلها في وقت واحد، فالواجب أن يبقى الدَّين ليرات ذهب، ويدفع منه عند حلول القسط قدر من الليرات إلى أن تستوفى كلها ليرات، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24/شعبان/1438 هـ
21/مايو/2017م