ما حكم الاشتراك في صندوق تكافلي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3218)
السيد/ نائب مدير مؤسسة الإصلاح والتأهيل، الهضبة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة السؤال التالي:
(نأمل من سماحتكم التكرم ببيان حكم الشرع في الاشتراك بصندوق التكافل الاجتماعي، الخاص بموظفي الهيئات القضائية والأجهزة المساعدة لها، وموظفي المحكمة العليا، والذي صدر بموجب نظامه الأساسي قرارٌ من وزير العدل رقم (159) لسنة (2007)، وقد نصت مادته الثالثة على أن قيمة رسم الاشتراك هي (3%) من إجمالي المرتب شهريا، وفي مادته العاشرة نص القرار على أنه من حق المشترك أخذ سلفة بحد أقصى مرتب سنة، تسترد على أقساط شهرية متساوية، خلال مدة أقصاها (36) شهرا، ولا يحق له أخذ سلفة لاحقة إلا بعد سداد السلفة السابقة، فهل يعتبر هذا من الربا المحرم، والعياذ بالله، أو هو من باب التعاون على البر والتقوى؟). مرفق: صورة من القرار.
والجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا حرج في إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي والاشتراك فيه؛ لأنه من التعاون على البرّ والتقوَى، قال الله تعالى: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (والله في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيه) [مسلم:2699]، ومن يدفعُ كلّ شهرٍ مبلغًا معينا لهذا الصندوقِ طواعيةً لا يدفعُها ليغامرَ بها رغبةً في كسبِ مالِ الآخرين، وإنما يفعلُ ذلك ليعين نفسَه ويعين غيره، عندما تنزل به أو بهم نازلةٌ لا يقدرون على دفعها، حتى يدفعوها متعاونينَ؛ وهو بذلك مأجورٌ ـ إن شاء الله ـ فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين، فقال عنهم: (إن الأشعريينَ إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة؛ جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسوية، فهم منّي وأنا منهم) [البخاري:2486، مسلم:2500].
فمالُ الأشعريين قد يصيب فيه أحدُهم أكثر مما يصيبُ غيره، ومال الصندوقِ كذلك؛ قد يصيبُ فيه أحد المشاركين أكثر مما يصيب غيره، فليس فيه غررٌ مُضِرٌّ ولا غبنٌ، كما لم يكن في ثوب طعامِ الأشعريين غررٌ ولا غبن، وقد نصّ علماؤُنا رحمهم الله على أن الغرر المضرّ، هو ما كان في المعاملاتِ المبنية على المعاوضةِ والمماكسة، لا في عقودِ التبرعات، التي منها الصناديق التكافلية، قال القرافي رحمه الله: “الفرق الرابع والعشرون بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر، وقاعدة ما لا يؤثر فيه ذلك من التصرفات … ومنهم من فصل – وهو مالك – بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو باب المماكسات والتصرفات الموجبة لتنمية الأموال، وما يقصد به تحصيلها، وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو ما لا يقصد لذلك …، وثانيهما ما هو إحسان صرفٍ لا يقصد به تنمية المال؛ كالصدقة والهبة والإبراء، فإن هذه التصرفات لا يقصد بها تنمية المال، بل إن فاتت على مَن أحسن إليه بها لا ضرر عليه ـ أي بفواتها؛ لأنه يبذل شيئًا نظير ما فاته ـ بخلاف القسم الأول، إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته، فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه” [الفروق:137/2].
وبعد الاطلاع على العقد تبيَّنَ أنه عقدٌ صحيحٌ؛ لا جهالة فيه ولا غرر، ما دام اشتراك المستخدمين فيه اختياريا، دون إلزام، والسُّلفُ تُرد كما أُخذت بلا زيادة، مع التنبيه على ما جاء في النقطة الأولى من المادة (9) الخاصة بصرف الإعانات: (إعانة مالية…في حالة وفاة المشترك أو وفاة زوجه أو أحد أبنائه)، فدفع المال لمن يموت له أحد قرابته؛ ليعينوه على شراء الذبائح وإطعام الطعام، منهي عنه؛ لما جاء عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: (كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) [ابن ماجه:1612]، ولا تجوز الإعانة على المناهي، وترسيخ هذه العادة القبيحة، التي تحول المآتم إلى ضيافة وولائم، ويمكن في حالة وفاة المشترك، إعطاء الإعانة لأسرة المتوفى، بعد نهاية العزاء؛ ليستفيدوا منها في غير المنهي عنه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
30/جمادى الأولى/1438 هـ
27/فبراير/2017م