ما حكم البيع بما يسمى ضمان السعر والصلاحية ما يعرف بالبضاعة المحمية؟
ما حكم التزام البائع وضمانِه تحمّل نقصِ السعرِ بعد بيعهِ للمشتري؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4902)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما حكم البيع بما يسمى بضمان السعر والصلاحية، أو ما يعرف بالبضاعة المحمية؟ وصورته: أن يبيع شخص لتاجرِ جملةٍ بضاعةً، ويشترط التاجرُ إذا نزلَ سعر البضاعة أو قرب انتهاء صلاحيتها، وهي أو جزءٌ منها باقيةٌ لم تُبع، وقد انخفض سعر البضاعة عن سعر الشراء؛ فإنه سيخصم من البائع الفارق بين السعر الحالي والسعر الذي اشترى به، ولو أخذ ثمن البضاعة كاملًا، وبهذه الطريقة يحفظُ التاجرُ نفسه من الخسارة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ التزامَ البائع وضمانَه تحمّل نقصِ السعرِ بعد بيعهِ للمشتري، هو مِن الشروطِ التي تفسدُ العقد؛ لأنّ هذا الالتزامَ والشرطَ يجعلهُ من عقودِ المخاطرة والغرر؛ فهو يؤولُ إلى جهالةٍ في الثمن، وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الجهالة والغرر [مسلم: 1513]، وقال الإمام مالك رحمه الله: “فِي رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، إِنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ إِنْ كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَإِنْ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِنُقْصَانٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَذَهَبَ عَنَاؤُهُ بَاطِلًا، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، وَلِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ مَا عَالَجَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ وَبِيعَتْ، فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا”[الموطأ: 4/962]، قال ابن عبد البر رحمه الله معلقًا: “هَذَا الْبَيْعُ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِيهِ مَجْهُولٌ [لِشَرْطِ] الْبَائِعِ لِلْمُبْتَاعِ أَنَّهُ مَا خَسِرَ فِيهِ وَانْحَطَّ مِنْ ثَمَنِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَذَلِكَ فِي عَقْدِ صَفْقَتِهِ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَؤُولُ إِلَى ثَمَنٍ مَجْهُولٍ” [الاستذكار: 6/459].
وأما إن كانت حماية السعر مِن بائع السلعة متطوّعًا بها بعد العقد، فهي عِدَةٌ وَعَدَ بها المشتري، فقيل يجبُ الوفاء بها، وقيل لا يلزمُ، ولا تفسد العقد، قال ابن عبد البر رحمه الله: “وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ، فَهِيَ عِدَةٌ وَعَدَهُ بِهَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي وُجُوبِهَا وَالْقَضَاءِ بِهَا” [الاستذكار: 6/459].
وكذلك ضمان الصلاحية؛ إن كان مشروطًا في العقد فإنه يفسدُه، لما يترتب عليه من الغرر، حيث إنّ البائع لا يعلم وقت البيع ما تم له بيعه بالفعل من سلعته التي تعاقد عليها، وما لم يتم، وأنّه سيردُّ له لانتهاء صلاحيته، قبلَ أن يباع.
عليه؛ فإن هذه المعاملةَ إن كانت مشروطةً ملتزمًا بها عند التعاقد فهي باطلةٌ، ويفسدُ بها البيعُ، ويجبُ ردُّهُ، وبعد وقوع الأمر وحصول الممنوع فلمشتري السلعة على هذه الصفة أجرة مثله، في توليه البيع، والسلعة باقية على ملك البائع، والثمن الذي بيعت به السلعة يكون للبائع، له ربحها وعليه خسارتها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14//ذي الحجة//1443هـ
13//07//2022م