ما حكم التكسب من مواقع التواصل الاجتماعي؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5288)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما حكم التكسب من مواقع التواصل الاجتماعي، علمًا أن هذا التكسب له صور؛ منها دعم الصفحات بالإعجاب والتعليق والمشاركة، ثم الدخول في سحب على جائزة، ومنها فتح صاحب الحساب لبثٍّ مباشرٍ، واستقبال الهدايا من المشاهدين، وهذه الهدايا هي نقاطٌ يحولها الموقع إلى قيم مالية، يودعها في حسابه؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالتكسب بدعم الصفحات بالإعجاب والتعليق والمشاركة جائز بشرط ألا يكون من نشاط هذه الصفحات بثُّ الزور والكذب وتضليلُ الناس في سلوكهم أو معتقداتهم بإلقاء الشبه ونشر الإلحاد ونحو ذلك، وألا تنشر ما يضلّل الرأي العام في مَن يختارونه لتولّي أمورهم بتوجيههم إلى المفسدين وعملاء الأعداء، وألا تحرّض على الفاحشة والفجور والميوعة وإفساد أخلاق النّاس، فإن لم يكن فيها شيء من هذه المفاسد، بل كانت تقدّمُ للناس ما يرشدهم أو يوجههم إلى ما هو خير وصلاح في دينِهم و دنياهم، فنشاطها ودعمها مشروع بل يؤجر عليه من يديرها ومن يتكسّب من دعهما؛ لأنّ ذلك يساعدُ على أن يعمّ الخير وينتشر الإصلاح، وما تعطيه الصفحات من جوائز لا حرجَ فيه، إذا لم تكن هذه الجوائز مدفوعةً من مجموعِ المتسابقين، أو كانت تروّج لما ذكر من المنكرات؛ والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ﴾ [المائدة: 2].
وأمَّا التكسبُ بفتح صاحبِ الحساب لبثٍّ مباشر، يتلقى عليه الهدايا من المتابعين، فإنّ ما يعطيه المتابعون هو مِن قبيل التبرعاتِ الجائزةِ في الأصل، وقد تكون مندوبة إذا كان صاحبُ الحسابِ يقدّم ما ينفع الناس، ويسهم في الإصلاحِ، على نحو ما تقدّم في الفقرة السابقة، لكن ممَّا يجدرُ التنبيه عليه؛ أنَّ من ينظر في حالِ هذه المواقعِ، وما يدور فيها؛ يتبيّن له أن السَّوادَ الأعظمَ ممن يتعاطى هذا الأمرَ، هم الذين اصطُلح على تسميتهم بصنَّاع المحتوى، وهم في الحقيقةِ صناعُ تفاهةٍ وبطالة، هذا في أحسنِ أحوالهم، وإلا فالواقعُ ينبيكَ أنه يغلب عليهم صناعةُ المحرّماتِ من دعوة للفساد وتضليل الناس، وخدمة الأعداء في كل المشاريع التي تدمر بلاد المسلمين، وتنشر الإلحاد والفجور، وتمهد للفاسدين من الناس أن يتولوا حكمهم وقمعهم، ويسلبوا قرارهم وثرواتهم وحريتهم، ومن أعظم الفساد مشاريع الأمم المتحدة التي تقوم بنشرها في بلادنا وعلى رأس هذه المشاريع ما يسمى الجندر وما يعرف بالنوع الاجتماعي، فهو من مشاريع الإلحاد وإخراج النّاس عن الدين، هذا عدا ما ينشرونه من إفساد الأخلاق والميوعة كالغناء والرقص وإشاعة الفاحشة، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ﴾ [النور: 19].
وهذه الفئةُ هي التي يريدُ أعداء الإسلامِ إبرازَها، وجعلَها قدواتٍ للشباب، فيُـيَسّر لهم سبلَ الانتشار، ويتيحُ لهم طرقَ التربّح، في الوقت الذي يشوّه المصلحين ويحاربهم، ويحدُّ من تأثيرهم ووصول محتواهم على هذه المواقع، وهو إذ يُبرِزُ أولئك الفارغينَ البطّالين، إنما يريدُ من تصديرهم هدمَ الأخلاقِ، ونشرَ الرذيلة، وقتل الفضيلةِ في نفوسِ النشءِ المسلم.
عليه؛ فالواجبُ على المسلمين مقاطعة هؤلاء، ولا يجوز لهم متابعتهم، ولا إعانتهم بالمال والهدايا، والواجبُ على أصحاب المنصاتِ الإعلاميةِ ألَّا يبرزوهم، أو يفسحوا لهم المجال، أو يتيحوا لهم المنابر، أو يشجعوهم بأيّ وسيلة؛ لأنَّ ما يفعلونه هو من الباطل، والباطل يجب إخماده وقمعه وإذهابه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18/صفر/1445هـ
2023/09/03م