ما حكم العمل في السفارة الأمريكية بليبيا، ومقرها في تونس؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5919)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما حكم العمل في السفارة الأمريكية بليبيا، ومقرها في تونس؟
فالجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه يجوز للمسلم إجارةُ نفسِه في عملٍ للكافر، إذا لم يكن العملُ في خدمة الكافر في بيته، أو لخدمته في ذاته كتنظيفه ولبس ثيابه ونحو ذلك، أو في عملٍ محرم شرعًا، كصنع الخمر، أو رعيِ الخنزير، أو في إعانتِهم على الإثمِ والعدوان، أما غيرُ ذلك؛ كأن يصنعَ المسلمُ الصانعُ للكافر شيئًا كسائر الناسِ كأن يصلح له السيارة أو يخيط الثياب أو يبيع له الكتاب، فهو جائزٌ، قال ابن رشد رحمه الله: “أُجْرَةُ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنَ النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْيَهُودِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: جَائِزَةٌ، وَمَكْرُوهَةٌ، وَمَحْظُورَةٌ، وَحَرَامٌ؛ فَالْجَائِزَةُ: أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا فِي بَيْتِ نَفْسِهِ [أي بيت الصانع] أَوْ حَانُوتِهِ، كَالصَّانِعِ يَعْمَلُ لِلنَّاسِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ غَيْرِ أَن يَسْتَبِدَّ بِعَمَلِهِ، وَالْمَكْرُوهَةُ: أَنْ يَسْتَبِدَّ بِجَمِيعِ عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مُقَارِضًا أَوْ مُسَاقِيًا، وَالْمَحْظُورَةُ: أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ مِنْهُ فِي عَمَلٍ يَكُونُ فِيهِ تَحْتَ يَدِهِ، كَأَجِيرِ الْخِدْمَةِ فِي بَيْتِهِ، وَإِجَارَةُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا مِنْهُ لِتُرْضِعَ لَهُ ابْنَهُ فِي بَيْتِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذِهِ تُفْسَخُ إِنْ عُثِرَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَاتَتْ مَضَتْ، وَكَانَتْ لَهُ الأُجْرَةُ، وَالْحَرَامُ أَن يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْهُ لِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ عَمَلِ الْخَمْرِ، أَوْ رَعْيِ الْخَنَازِيرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذِهِ تُفْسَخُ إِنْ عُثِرَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَمَلِ، فَإِنْ فَاتَتْ بِالْعَمَلِ تَصَدَّقَ بِالأُجْرَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ” [البيان والتحصيل: 5/154].
هذا، ويتأكدُ تحريمُ عمل المسلم عند الكافر، إذا كان عملُ الكافرِ قائمًا على حربِ الإسلام والمسلمين، والتسلطِ على شؤونهم ومقدراتِهم، والتجسسِ على بلدانهم، وفيما له علاقة بخوضهم في دماء المسلمين، في فلسطينَ وغيرها؛ لأن البراءة من هؤلاء ومن أعمالهمْ أصلٌ من أصولِ الإسلام، وواجبٌ شرعيّ، يُخشَى على مَن فرَّطَ فيه النفاق، والركونُ إلى الظالمين، وموالاتُهم على المسلمين، والله تعالى يقول: (وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ) [هود: 113]، ويقول: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ) [المائدة: 51]، ويُخشَى على مَن خالطَهم وأدامَ عشرتهم وتمعشَ مِن أموالِهم؛ أن يميلَ إليهم، ويوجدَ لمودتهم على دينهم محل في قلبه، في الوقت الذي يُمْعِنون فيه الأذى في حق إخوانه المسلمين، والله تعالى يقول: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ) [الممتحنة: 1].
ويجب على المسلم أن يحرص على ألَّا يصلَ إليهم منه نفعٌ، يتقوونَ به في أعمالهم على المسلمين، ولو كان في عملٍ رسميّ ووظيفة، مهما قلَّ هذا النفع، ولو كان حارسًا أو مستقبِلًا أو إداريًّا لديهم، ففي كل نوع من أنواع عمله إنما يقدمُ لهم النفع، ولولا انتفاعُهم منه لما أبقوهُ بينهم، وربما تجاوز انتفاعهم منه أمرَ الوظيفة وهو لا يدرِي، قال سبحانه: (وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ) [المائدة: 2].
وعليه؛ فلا يجوز للمسلم العملُ في هذه السفارة، ولا في غيرِها من سفاراتِ الدولِ التي هي في الغالب تَسْتَغِلُّ وجودَها في بلاد المسلمين؛ لإثارة القلاقلِ والنزاعات، والتسلطِ على شؤون المسلمينَ، والتحكّم في مقدَّرَاتهم، خاصةً في هذا الوقت الذي يشهدُ عدوانَهم المباشر، ودعمَهم الصريح للاحتلالِ، الذي يرتكبُ أسوأَ المجازرِ في حقِّ المسلمينَ في فسلطين.
إلا إذا كان في عمل المسلم معهم مصلحة للمسلمين واثقا من نفسه من عدم الميل إليهم ومن عدم إعانتهم على مخططاتهم المعادية للمسلمين، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//رجب//1446هـ
28//1//2024م