بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2872)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
جاء في كتاب اللغة العربية، للصف الثاني من مرحلة التعليم الأساسي، قصيدة بعنوان (ليبيا الخير)، وهذا نصها:
ألَا لبّيكِ يا ليبيا *** إنّ اللهَ لبّاكِ
ولبَّى ثورةَ الأحرارِ *** تحضنها ذراعاكِ
ألَا لبّيكِ إنّ الحبّ أوله *** وآخره تجسَّدَ في محيَّاكِ
وإنّ الخيرَ كلّ الخير منبعُه *** ومبعثُهُ: عَطاياكِ
فهل في هذهِ الأبياتِ ما يُستنكَر شرعًا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن هذه القصيدة احتوت على مبالغات ينبغي اجتنابها؛ كقوله:
إن الحب أوله *** وآخره تجسد في محياك.
فقوله: الحب أوله وآخره؛ يعني كلّه، وكل الحب – طبيعيا كان أو تعبديا – لا يكون إلا لله، الخالق المنعم المتفضل، ومحبة غيره تابعة لمحبته سبحانه؛ قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24]، قال القرطبي رحمه الله: “وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب” [الجامع لأحكام القرآن:95/8].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبّ إليهِ مِن والدِه وولدِه والناسِ أجمعينَ) [متفق عليه] ، قال ابن رجبٍ الحنبليّ رحمه الله معلقًا على الحديث: “محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإيمان، وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعَّد من قدَّم عليهما محبة شيء من الأمور المحبوبة طبعًا، من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك؛ فقال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)، ولـمَّا قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قالَ له: (لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال عمر: والله، أنت الآن أحب إلي من نفسي، قال: (الآن يا عمر). فيجب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على النفوس والأولاد والأقارب والأهلين والأموال والمساكن، وغير ذلك، مما يحبه الناسُ غاية المحبة” [تفسير ابن رجب:496/1].
وكذلك قول الشاعر:
وإن الخير كل الخير منبعه *** ومبعثه: عطاياك.
فالخير كله من الله تعالى، فلا يأتي بالخير سواه، كما لا يدفع الشر إلا هو، وقد كان من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على ربه سبحانه وتعالى قوله: (والخير كله في يديك) [مسلم:771]، فزعْـمُ الشاعر أن الوطن هو منبع الخير كله باطلٌ، وكون عطايا الوطن هي عطايا الله تعالى، لا يشفع للشاعر في نسبتها إلى غير الله؛ ففي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، على إثر سماء كانت من الليل، قال: (أتدرون ماذا قال ربكم؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب)، قال ابن تيمية – رحمه الله – معلقا: “وهذا كثير جدًّا في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشركه به، قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة والملاح حاذقا” [مجموع الفتاوى:33/8].
وعليه؛ فننصح بحذف القصيدة وإبدالها بغيرها، والقصائد الوطنية الخالية من المخالفات والمشتبهات كثيرة وكافية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19/جمادى الآخرة/1437هـ
28/مارس/2016م