بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4918)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تزوجتُ من رجل يدعى (س.م.أ)، وعشنا في ألمانيا لسنوات، ثم حدثت مشاكل بيننا، فذهبنا إلى محكمة ألمانيةٍ لأجل الطلاق، ولأنه لا بدّ لإيقاع الطلاق عندهم من تراضي الطرفين، فقد سأله القاضي: هل تريد الطلاق؟ فقال: نعم، ثم وقعنا على ذلك، وعليه حكمت المحكمة بالطلاق، ثم بعد عامٍ أراد إرجاعي، فعقد عليَّ بلا وليٍّ، ولم يمسَّني بهذا العقد ولم يبقَ معي، فما حكم هذا الطلاق وهذا العقد؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ إمضاءَ الزوج على وثيقة الطلاق؛ كافٍ في وقوعه، ما دام عالـمًا بالوثيقة، قاصدًا للإمضاء عليها؛ لأن الطلاق يقع بالكتابة، ولو لم يتلفظ به الزوج، قال الدردير رحمه الله: “(وَبِالْكِتَابَةِ) لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا (عَازِماً) عَلَى الطَّلَاقِ بِكِتَابَتِهِ، فَيَقَعُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ كِتَابَةِ هِيَ طَالِقٌ” [الشرح الكبير: 2/384]، وسواء كتب الزوجُ لفظ الطلاق بنفسه، أو كتبه غيره وأمضى عليه الزوج، فتلزم بذلك طلقة رجعية واحدة، وإذا لم يُرجع الزوج زوجته إلى عصمته حتى خرجت من العدة، بحصول ثلاثة أطهار، أو بوضع الحمل إن كانت حاملًا؛ فإنها تبين منه بينونةً صغرى، وتصير أجنبيةً عنه، فلا تحل له إلا بعقد جديد، بوليٍّ وصداق وشاهدين، قال القرطبي رحمه الله: “فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا المُطَلِّقُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها، فَهْيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَتَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ، لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِخِطْبَةٍ وَنِكَاحٍ مُسْتَأْنَفٍ، بِوَلِيٍّ وَإِشْهَادٍ، لَيْسَ عَلَى سُنَّةِ الْمُرَاجَعَةِ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ” [الجامع لأحكام القرآن: 5/448].
وجمهورُ أهل العلم على اشتراطِ الولي في صحة عقد النكاح، وعلى بطلان النكاح إذا وقع بدونه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَـانُ وَلـِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ) [أبو داود: 2083، والترمذي: 1102، وحسنه، وصححه الحاكم]، وقولِهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) [الترمذي: 1102، وحسنه، وصححه الحاكم]، فحكمُ هذا النكاح الفسخ، ولا شيء للمرأة إن اطُّلِعَ عليه قبل الدخول، فإن اطّلع عليه بعد الدخول فَـلَهَا صداقُ مثلها، بما استحلَّ من فرجها.
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذُكر في السؤال؛ فالطلاق الذي أوقعه الزوج في المحكمة لازم، وقد بانت الزوجة بخروجها من العدة بينونة صغرى، فلا تحلُّ له إلا بعقد جديد، بوليٍّ وصداقٍ وشاهِدَيْنِ، ولا يُعتدّ بالعقد اللاحق بعد عام، وهو باطل؛ لوقوعه دون ولي، ولا يترتب للمرأة عليه شيءٌ لعدم الدخول، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03//محرم//1444هـ
01//08//2022م