بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3039)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
عندي مبلغ زكاة مستحقّ عليَّ، وهو مبلغٌ ضخمٌ، فهل يباح لي أن أعمل على بناء شقق سكنية بهذا المبلغ، وتوزيعها على الفقراء المحتاجين؟
وما هي الضوابط الشرعية في بناء هذه البيوت؟
وهل تحبس هذه البيوت على المحتاجين، أم إنه يباح للفقير تملكها والتصرف فيها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن من مصارف الزكاة الفقراء والمساكين، والفقير والمسكين هو الذي لا يكفيه دخله لحاجاته الأساسية؛ كالأكل والشرب والمسكن واللباس، وغيرها من الحاجيات، فيجوز دفعها لمن هذا حاله، ولا يجوز إعطاؤها ولا أخذها لأجل الكماليات والتوسع في الإنفاق؛ قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:60].
والفقير: هو مَن كانت فاقته وفقره في الحاجيات لا في الكماليات، قال الحطاب – مختلطا كلامه بكلام خليل – رحمهما الله: “(وعدم كفاية بقليل أو إنفاق أو صنعة)، يعني: أنه يشترط في كل واحد من الفقراء والمساكين أن يكون عادمًا للكفاية؛ إما بأن لا يكون له شيء أصلا، ولا له مَن ينفق عليه، ولا له صنعة، أو يكون له شيء قليل لا يكفيه، أوْ له مَن ينفق عليه نفقةً لا تكفيه، أوْ له صنعة لا كفاية له فيما يحصل منها” [مواهب الجليل: 342/2].
والأصل هو دفع الزكاة للفقير ليتصرف فيها بنفسه، وإن دعت الحاجة فيباح بناء هذه البيوت للفقراء من أموال الزكاة بالنيابة عنهم، وليحرص القائمون على هذا الأمر على اختيار الأماكنِ المأمونة مستقبلا من الهدم، ويكون البناء بأيسرِ النفقاتِ، بما يقتصر على أساسياتِ البناء، بأن تكون المواد والسلع المواد السوقية الجاهزة لا المكلفة، ويكون البناء قدر الحاجة من حيث المساحة المسقوفة، ودون الصرف على الكمالياتِ؛ كالرخامِ والجبس ونحوِه، هذه أهم الضوابط التي لا بد من أخذها في الاعتبار.
وتملَّكُ هذهِ البيوتُ للفقراءِ، بعد التحري الدقيق على أنهم فعلا فقراء، وليست لهم أراض ولا أملاك يخفونها، وأنهم محتاجون للمسكن الضروري الذي لا يمكنهم الاستغناء عنه، لا ليتحصلوا على شقق لبيعها بالخلو ونحوه، ومن توفرت فيه الشروط وأعطي بيتا جاز له التصرف فيه؛ لأنه حقه، قال الله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات: 19]، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18/ذو القعدة/1437هـ
21/أغسطس/2016م