بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2871)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
جرى العرفُ أن يقوم الطالب، بعد مناقشة رسالة الماجستير أو الدكتوراة، بإكرام المشرف والمناقشين خصوصًا، بدعوتهم في أحدِ المطاعمِ الفاخرة، ومنهم من يقدم لهم كذلك بعض الأكلات والعصائر، قبل بدءِ المناقشة وأثنائها، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن لجنة المناقشة، التي يترأسها المشرف على إعداد الرسالة الجامعية؛ هي لجنة مشَكَّلَة لإصدار حكمٍ على الرسالة، يُبيِّنُ صلاحيتها مِن عدمِها، كالحكمِ الذي تُصدره الهيئات القضائيةُ، أو المحكَّمُونَ في قضيةٍ ما، حتى إن هذه اللجنةَ العلميةَ تتقيدُ – عند إصدار حكمها – بالأعرافِ التي يتقيد بها صدور الأحكام القضائية؛ مِن المداولة بعدَ المناقشة، وارتداءِ اللباس الخاص الذي يلبسُه القضاة.
ومعلوم أنه لا يجوز للقاضي أن يقبل هدية مِن المحكوم عليه، لا أثناءَ المحاكمة؛ بتوزيع الشرابِ والمرطبات، ولا عقب صدور الحكم؛ بإقامة حفلِ غداء للّجنة؛ لوجود الشبهة المانعة من ذلك، فقد يحُولُ ما يقدَّم للجنةِ دونَ إظهارِ عيوبِ الرسالةِ، بالصورةِ الصحيحة، أو يدعو إلى منحِها من الدرجةِ ما لَا تستحقّ.
وما يقدَّم للجنةِ لا يخرجُ عن الهدية، والهدية للحكام يصنفُها العلماء في بابِ الرشوة؛ لقول الله تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188].
فينبغي ترك هذه العادة؛ لتتنزه الأحكام الصادرة من اللجنة عن المجاملة، ويتأكدُ تركُها إذا صارتِ العادةُ كأنّها فرضٌ، لا يستطيع الطالب غير القادر عليها، أو الذي لا يرضاها ديانةً؛ أن يتخلص منها؛ حياءً من الناس، وخوفًا من اللوم، فيتكلَّفُها على مضضٍ، دونَ رضًا منه، فتدخل في المال الذي يؤكل بسيف الحياء؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإنّ أحدهم ليسألني المسألة، فأعطيها إيّاه، فيخرج بها متأبّطها، وما هي لهم إلّا نارٌ)، قال عمر: يا رسول اللّه، فلم تعطيهم؟ قال: (إنّهم يأبون إلّا أن يسألوني، ويأبى اللّه لي البخل( [أحمد:10739]، والعلماء متفقون على حرمة ما أخذ بسيف الحياء، قال أبوسعيد بن لب رحمه الله: (سيفُ الحياءِ أقطعُ من سيفِ الجور) [المعيار:154/9]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19/جمادى الآخرة/1437هـ
28/مارس/2016م