بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4376)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نحن مركز (دليلكم) لخدمات الحاسوب، من اهتماماتنا العمل بنظم المعلومات الجغرافية وتحديد الاتجاهات، باستخدام الوسائل الحديثة والأقمار الصناعية، وقد قمنا بتصميم برنامج لتحديد جهة القبلة بدقة، ولمَّا يُنشرْ رسميًّا بعد، ونريد الاستفتاء عن القدر المسموح به في الانحراف عن القبلة، وما حكم من تبين له وجود انحراف كبير في قبلة المسجد وتجاهلَ تصحيحَه؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة، فيجب على من كان بمكة استقبال عين الكعبة، وأما من كان بخارجها فيكفيه استقبال جهتها؛ قال الله عز وجل : ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة:150]، فيجتهد في استقبال جهتها قدر الاستطاعة، ويعفى عن الانحراف اليسير؛ للمشقة ورفع الحرج.
وقد نصَّ الفقهاء على أن الانحراف الذي يبطل الصلاة، هو الانحراف عن جهة الكعبة باستدبارها أو التشريق والتغريب، قال المواق رحمه الله: “في المدونة قال مالك: مَنْ عَلِمَ وَهْوَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ اسْتَدْبَرَ القِبْلَةَ، أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ، قَطَعَ وَابْتَدَأَ بِإِقَامَةٍ” [التاج والإكليل: 2/194]، فدلَّ قوله على أن الانحراف المبطل للصلاة هو: الانحراف عن الجهة، والانحراف اليسير وإن كان لا يبطل الصلاة لكن من تبين له في الصلاة وعلم أنه منحرف عن جهة القبلة، فلا يجوز له الاستمرار على هذا الانحراف عمدًا، ولو كان يسيرًا، قال الشيخ الدردير رحمه الله في من تبين له الانحراف اليسير عن القبلة: “وَصَحت فِي اليَسِيرِ فِيهِمَا مَعَ الحرْمَةِ” [الشرح الكبير:1/227]، وهذا يفيد أن الانحراف اليسير مع العلم به، وإن لم يبطل الصلاة، فصاحبه آثم، وقال ابن مقيل رحمه الله: “وَاعْلَم أَنَّ تَحَرّيك لذَلكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَقُومُ فِيهِ الصَّلَاة لَازِمٌ لَكَ، وَمَتَى غَفَلْتَ أَنْ تَتَحَرَّى ذَلِكَ، وَلَمْ تُحَقِّقْ فِيهِ، لَمْ تَسْتَقِمْ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي كُلِّ صَلَوَاتِكَ؛ إِذْ بِانْحِرَافِكَ مِقْدَارَ غَلَطِ إِصْبَعٍ أَوْ نَحْوِهِ، تَمِيلُ عَنِ الْقِبْلَةِ مَيْلًا عَظِيمًا” [فتاوى ابن مقيل:83].
عليه؛ فإذا عُلمت جهة القبلة بوجه من وجوه الاستدلال، من أهل المعرفة بالشمس أو القمر أو البوصلة، أو غير ذلك من الطرق العلمية الحديثة، فينبغي الالتزام بها، وتصحيح قبلة المسجد بناء عليها، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي امحمد الجمل
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//جمادى الآخرة//1442هـ
31//01//2021م