ما مقدار الدية في القتل العمد؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5289)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حدثتْ مشاجرةٌ بين ابني وابنِ الجيران، مما تسببَ في قتلِ ابنِ الجيران، والنيابة العامة ذكرتْ في محضرها أنَّ القتل عمدٌ، وبعد التواصلِ مع أسرة المجني عليه عن طريق لجنة صلح، اتفقنا على دفع الدية، فما مقدارها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإذا ثبت القتلُ على القاتل، وكان عمدًا عدوانًا، فأولياء القتيل بالخيار بين القودِ أو العفوِ، إمّا مجانًا أو في مقابل دية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَن يُقِيدَ)[البخاري:2703]، والعفو مجانًا أفضلُ باتفاق العلماء؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة:45]، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزَّا) [مسلم: 2588].
فإن اختار الولي العفو مقابل الدية، فله أن يصالحَ على قدر الدية الكاملة، أو أقلّ أو أكثر، معجلًا أو مؤجلًا، قال عليش رحمه الله: “(وَجَازَ صُلْحُهُ) أَيْ الْجَانِي (فِي) قَتْلِ (عَمْدٍ بِأَقَلَّ) مِنْ الدِّيَةِ (وَ) بِـ(أَكْثَرَ) مِنْهَا إذْ لَيْسَ فِي الْعَمْدِ عَقْلٌ مُسَمًّى فَيَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا بِأَجَلِ دِيَةِ الْخَطَأِ وَأَبْعَدَ مِنْهُ وَأَقْرَبَ، وَبِذَهَبٍ مَعَ أَهْلِ الْوَرِقِ وَعَكْسُهُ، وَبِإِبِلٍ فِيهِمَا وَعَكْسُهُ” [منح الجليل :9/ 82]، وتدفع من جنس الدية أو من غير جنسها، فقد قال صلى الله عليه وسلم في قتل العمد: (… وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهْوَ لَهُمْ) [الترمذي:1387]، وجاز الصلح على دية العمد بمؤجّل، ولا يدخل في الصرف المؤخّر، أو في فسخ ما في الذمة مقابل مؤخر؛ لأن المتقرّر في العمد دمٌ وليس مالاً.
والديةُ الكاملة في قتل العمدِ قدرها على أهل الباديةِ (مائةٌ) من الإبل، قال الدردير رحمه الله:”(وَرُبِّعَتْ فِي عَمْدٍ) لَا قِصَاصَ فِيهِ كَأَنْ يَحْصُلَ عَفْوٌ عَلَيْهَا مُبْهَمَةً، أَوْ يَعْفُوَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ مَجَّانًا فَلِلْبَاقِي نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ (بِحَذْفِ ابْنِ اللَّبُونِ) مِنْ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ فَتَكُونُ الْمِائَةُ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ كُلٍّ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ” [الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي:4/266] وعلى أهل الحاضرة (4250) جرامًا من الذهب الخالص، أو ما يعادلها من المال، ففي الأثر: (فَرَضَهَا عُمَر رضي الله عنه عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) [أبوداود:4542]، وإن تصالحوا على أقل من ذلك فهو جائزٌ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18// صفر//1445هـ
03//09//2023م