بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3338)
الإخوة: مكتب إفتاء درنة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة وبعد؛
فبالإشارة إلى استفساركم المقدم، بخصوص سؤال رئيس المجلس المحلي درنة للمكتب، فيما يخص عمل مكتب الضرائب، وتبيينه لبعض المفاسد جراء إغلاق مكتب الضرائب بالمدينة، وهي:
1- تضرر المدينة ومؤسساتها وشركاتها؛ لأنها لا تعمل إلا بدفع الضرائب، كالإسعاف والمطافئ مثلًا، حيث إنه لا يتم شراء قطع الغيار إلا بدفع الضرائب، وهذه المؤسسات تقوم بخدمات لا يمكن الاستغناء عنها.
2- اضطرار أصحاب الشركات للخروج خارج المدينة لدفع الضرائب، مما يسبب في خروج السيولة خارج المدينة، واستفادة من يُحاصرونَ المدينة، وزيادة نسبة الضرائبِ عليهم، مع ما فيه من تهلكة وضرر من الجهات الأمنية المحاصرة للمدينة.
3- لا تقدم المدينة إلا حوالي ربع مرتبات الموظفين بالمصلحة، علمًا بأن مدير الضرائب أبلغنا بأن الإدارة العامة مازالت تعمل بهذه المخالفات، وأنه لا يستطيع أن يعمل بالأحكام المعدلة من قبل دار الإفتاء، إلا بقرار صادر من إدارته.
والجواب كالتالي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ الضرائب نوعان؛ ضرائب خدمية، وضرائب تؤخذ من أموال الناس دونَ مقابل.
فإذا كانت الضرائب خدمية، تؤخذ نظير خدمة تقدم للناس، كالضرائب التي تؤخذ على الجمارك، وخدمات الموانئ، والمرور في الطرقات، أو على منح التراخيص لممارسة الأعمال، ومراقبة الأسواق، وقيادة السيارات، ونحو ذلك، فهذه لا حرج فيها؛ لأن الناس محتاجون إلى هذه الخدمات في تنظيم حياتهم وتنمية أموالهم، وتعود عليهم بمنافع خاصة، فالمال الذي يؤخذ منهم في هذه الضرائب، هو أجرة على تقديم هذه المنافع، لكن يجب أن تقوم السلطات من جانبها بتقديم الخدمات المطلوبة، التي تضمنتها لوائحها، مقابل جباية هذا المال، فلو كانت الضريبة مثلا على المرور، فيجب على السلطات أن تقوم بالخدمات التي نظَّمها قانونُ المرور، بما يوفر سلامة السير على الطرقات، لا أن تجبي الإدارة الضرائب، ولا تؤدي ما عليها من خدمات، كتعبيد الطرق مثلا، ووضع العلامات وتنظيم السير، ونحو ذلك.
أما النوع الثاني من الضرائب، وهو ما يؤخذ من غير مقابل، أو ما يُعرف بضريبة الدخل، فإنّ استقطاعه جبرًا في الأحوال الاعتياديةِ محرمٌ؛ لأنه من المكوس، ومن أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾ [النساء:29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبِ نفسٍ منه) [النسائي:11325].
ولا تحل هذه الضرائب إلا عند الضرورة، التي يمكن تحديدها بالشروط الآتية:
1- أن تكون حاجة السلطات للضريبة حاجة حقيقية وضرورية، لا وهميةً أو ظنيةً، بحيث لا يكون للسلطات موارد أخرى، تستطيع أن تسير بها أعمالها.
2- أن تكون السلطات فقيرة، ومواردها لا تفي بالقيام بشؤونها، وأن يكون فرض الضريبة استثنائيًّا مؤقتًا، حسبما تدعو إليه الضرورة، وأن يوظف الإمام على الناس بقدر الحاجة، على أن ينتهي هذا التوظيف بانتهاء الحاجة؛ فإن الضرورة الشرعية كما هو معلوم “تُقدّرُ بقدرِها”.
3- أن يتم إنفاق المال على الوجه المشروع في مصالح الأمة، لا على المعاصي والشهوات والأهواءِ، من قِبَل السلطة الحاكمة، ولا على ترفيه أنفسِهم وأٌسرِهم، ولا لترضية السائرينَ في ركابِهم.
4- أن تُؤخذ من فضل المال، أو ما يزيد عن حاجة الناسِ الأساسية، فمَن كان عنده فضلٌ عن إشباع حاجاته الأساسية؛ أُخذت الضريبةُ مِن هذا الفضلِ، ومَن كانَ لا فضلَ عنده بعد هذا الإشباع للحاجات الأساسية؛ فلا يؤخذ منه شيءٌ.
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، مِن حاجةِ السلطات في مدينةِ درنة لفرضِ الضرائبِ غير الخدميةِ، لظروفِ الحصارِ المفروض عليها، فإنّه يجوزُ لهم فرضُها، بالشروط المتقدمة، مادامت هذه الظروفُ قائمةً، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06/ذو القعدة/1438هـ
30/يوليو/2017م