حكم من أراد قتل إنسان فأصاب شخصا آخر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2113)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
اختصم شخصان، فأطلق أحدهما النار على خصمه، فأصاب شخصا آخر لا علاقة له بالخصومة، فماتَ، فهل يعتبر هذا قتل خطأ أم عمد؟ وماذا يلزم القاتل؟ علما بأن عمر القاتل أربعة عشر عاما.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
إن كان الواقع ما ذكر في السؤال، فإن هذا مِن قتل الخطأ؛ لأنه لم يقصد رمي المقتول، قال القرافي رحمه الله: “الخطأ ما لا قصد فيه للفعل كما لو سقط على غيره، أو ما لا قصد فيه للفعل إلى الشخص، كما لو رمى صيدا فقتل إنسانا” [الذخيرة:280/12].
ويلزم في قتل الخطأ الكفارة والدية؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَّصَّدَّقُوا) [النساء:92]، ولعدم وجود الرقبة يلزم صيام شهرين متتابعين؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:92]، ولو كان القاتل صبيا لم يبلغ حين القتل، فإن عليه صيام شهرين بعد البلوغ، والدية على عاقلته؛ قال خليل رحمه الله: “وعلى القاتل الحر المسلم وإن صبيا أو مجنونا أو شريكا إذا قتل مثله معصوما خطأ عتقُ رقبة، ولعجزها شهران”[المختصر:234]. وعلق الخرشي رحمه الله عليه شارحا ومعللا لزوم عتق الرقبة للصبي والمجنون: “وتجب في مال الصبي والمجنون لأنها من خطاب الوضع كالزكاة ولو أعسر كل فالظاهر أنه ينتظر البلوغ والإفاقة لأجل أن يصوما” [8/49]، وقال ابن عبد البر رحمه الله: “على هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة وأصحابهما، والأوزاعي، والليث بن سعد، في قتل الصبي عمدا أو خطأ، أنه كله خطأ، تحمل منه العاقلة ما تحمل من خطأ الكبير” [الاستذكار:33/25].
وقدر الدية: (4250) جرامًا من الذهب الخالص، أو مقداره من المال، وذلك لما ثبت أن عمر رضي الله عنه فرض على أهل الذهب في الدية ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم [أبوداود:4252]، وهي واجبة على عاقلة القاتل، قال ابن الحاجب رحمه الله: “والدية على العاقلة إذا كانت خطأ أو في حكمه” [التوضيح على مختصر ابن الحاجب:273/6].
والعاقلة: هم أهل ديوان القاتل، وعصبته من قرابته وإن بعدوا؛ لقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك في محضر من الصحابة رضي الله عنهم، قال ابن عبد البر رحمه الله: “وأجمع أهل السير والعلم بالخبر، أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام، وكانوا يتعاقلون بالنصرة، ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك، حتى جعل عمر الديوان”[الاستذكار:221/25].
فإن عجز عن سدادها أهل الديوان والعصبة ففي بيت مال المسلمين، قال ابن الحاجب رحمه الله: “والعاقلة: هي العصبة، وألحق بها أهل الديوان لعلة التناصر… ويبدأ بأهل الديوان، فإن اضطر إلى المعونة أعانتهم عصبتهم، فإن لم يكن من ديوان فعصبته، ويبدأ بالفخذ ثم البطن ثم العمارة ثم الفصيلة ثم القبيلة، ثم أقرب القبائل، فإن لم تكن عصبة فموالي، فإن لم تكن فبيت المال، إن كان الجاني مسلما” [التوضيح:276،275/6]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
8/صفر/1436هـ
1/12/2014م