بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5702)
السّيّد المحترم/ المدير التّنفيذي لمغسلة د . ح لتجهيز الموتى.
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحيّة طيّبة، وبعد:
فبالنّظر إلى مراسلتكم المتضمّنة السّؤال عن حكم الانتفاع بقطعة أرض وهبتها امرأة لبناء مغسلة، بعد أن وثقت ذلك بعقد، ثم تعذر بناؤها لمعارضة الجيران إقامةَ المغسلة لتضررهم المعنوي، فتوقفَ الأمر، حتى أقمنا المغسلة، فأتى لنا أبناؤها بالعقد لننتفع بقطعة الأرض في مصلحة المغسلة، ثم تبين أن الأرض في مسار الطريقِ، ولم تعوَّض بعدُ، فهل يجوز لنا بيعُها والانتفاع بثمنها في مصلحة المغسلة، أم تبقى وتنتفعُ المغسلةُ بمال التعويض؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن هبة الأرض المذكورة من قبيل الوقف، وتأخذ أحكامه؛ قال الحطاب رحمه الله: “… قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ رحمه الله: وَحَبَسْت وَتَصَدَّقْت إنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ قَيْدٍ أَوْ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ تَأَبَّدَ” [مواهب الجليل : 6/28]، والأصلُ أن لا يُتصرفَ في أرضِ الوقف، بأيٍّ مِن أوجهِ التصرفِ التي تُذهب عينها، إلا إذا خيفَ عليها الضياع، ولم يمكن الانتفاعُ بها على الوجهِ الذي حدده الواقف، أو تضرر منها المحيطون بها، أو كان في استبداله غبطة للوقف ترفع من قيمته، فتستبدل بأرضٍ أخرى أفضلَ منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرارَ) [ابن ماجه:2331]، وفي المعيار عن ابن رشد، أنه سئل عن حكم معاوضة أرض غامرة تابعة لمسجد، فأجاب: “إِنْ كَانَتِ الْقِطعَةُ مِنَ الأرضِ الْمُحَبّسةِ قَدِ انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهَا جُمْلَةً، وَعَجزَ عَنْ عِمَارَتِهَا، فَلَا بَأْسَ بِالْمُعَاوَضَةِ فِيهَا بِمَكَانٍ يَكُونُ حُبسًا مَكَانَهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمٍ مِنَ الْقَاضِي بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ السَّبَبِ، وَالْغِبْطَةِ فِي الْعِوَضِ وَيُسَجِّلُ ذَلِكَ وَيُشْهِدُ بِهِ” [المعيار المعرب: 7/138].
وعليه؛ فإن لم يمكن بناء المغسلة في هذه الأرض لوقوعها بمسار الطريق العام؛ فيجوز مناقلةُ هذه الأرض، وِبَيْـعها بَيْعَ غِبْطة ومصلحة، مع بيان حالها للمشتري بكونها في مسار الطريق، ويكون التعويض للمشتري حينها، ويشترَى بثمنها أرضٌ أخرى، تكونُ أنفعَ للوقف، لإقامة مغسلة على ما اشترطته الواقفة، ولا يجوز للمشرفين على المغسلة أخذ ثمن الأرض وصرفُه في مصالح المغسلة، لأن هذا يذهب عين الوقف، وينبغي أن يكون استبدال الأرض بإشرافِ العدولِ وأهلِ الرأيِ في المحلّة، ويُوَثَّق عند محررِ عقود؛ حفاظًا على مصلحة الوقف، وتحقيقًا لغرضِ الواقف، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
02//محرم//1446هـ
08//07//2024م