بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5881)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
مما هو شائع في أيامنا أن الشخص يكون خارج ليبيا في تونس أو السعودية، فيحتاج أن يتسلف بعملة تلك البلد مبلغا من المال لشراء دواء أو سلعة، ولا تُذْكَرُ العُملة التي سيتم بها الرد فيما بعد، لكنّ المتعارف عليه أنه سيردّ هذا المبلغ بالعملة الليبية، لأنه من المعلوم ألا يتيسر له الرد بالعملة التونسية أو المصرية في بلده، فهل التعامل على هذه الصورة جائز شرعا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل في ردِّ الدين أن يكون بالعُملة التي وقعت بها الاستدانة، دون زيادة أو نقصان، فمن استلف دينارا تونسيا عليه أن يرده بالدينار التونسي، وكذلك الحال في غيره من العملات الأخرى، كالدولار، أو الجنيه المصري، أو غيره.
قال مالك رحمه الله فيمن اقترض دراهم من آخر: “يَقْضِيهِ مِثْلَ دَرَاهِمِهِ الَّتِي أَخَذَ مِنْهُ رَخُصَتْ أَمْ غَلَتْ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلّا مِثْلُ الذِي أَخَذَ مِنْهُ” [المدونة: 3/51].
ويجوز للمقترض عند سداد الدين دفع عملة مخالفة، بشرطين:
أولها: ألا يكون الردّ بالعملة المخالفة مشترطا ابتداء عند المداينة، أو متعارفا عليه بين الناس.
وثانيهما: أنهما إذا تراضيا -وقت السداد- على قضائه بعملة أخرى؛ فعلى المقترض أن يُعَجِّلَ السَّدَادَ بالعُملة الأخرى في مجلس العقد وقت الاتفاق دون تأخير، ويجوز أن يكون بأيِّ سعر يتفقان عليه في ذلك الوقت؛ لأن المعاملة تحولت بالتسديد بالعُملة المغايرة إلى مصارفة، والصرف يُشترط فيه التعجيل.
والْمُشَاهَدُ مِنْ حَالِ النّاسِ اليومَ أنّهم إذا تداينوا بعُمْلَةٍ أجنبية غير رائجة في بلادنا -كالجنيه المصري، أو الدينار التونسي أو غيره-، وأرادوا قضاء الدَّيْنِ في ليبيا، فإنهم يقصدون عند المداينة -حسبما تعارفوا عليه- ردَّ القرضِ بالدينار الليبي؛ لأنَّ العُمْلَةَ عندما لا تكون من العُمُلات الأجنبية المتداولة عالميا، لا يمكن الاستفادة منها غالبا داخل ليبيا.
ودخولُ الْمُقْرِضِ والْمُقْتَرِضِ على هذا الأمر المتعارَفِ عليه عند المداينة يجعل المعاملة ممنوعة، ولو لم يكن الرد بالعملة الليبية مشروطا؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا، قال القصري رحمه الله في حكم ردّ القرض بشيء مخالف لما أُخذ: “يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظَرٌ… وَلَمْ يُضْمِرَا ذَلِكَ عِنْدَ مُعَاقَدَةِ السَّلَفِ وَلَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَأْيٌ وَلَا غَرَضٌ” [نوازل القصري: 3/209].
عليه؛ فلا يجوز لمن اقترض مبلغا بالجنيه المصري أو أيّ عملة غير رائجة في ليبيا؛ أن يرد القرض بالعُملة الليبية أو بأيِّ عُمْلَةٍ أخرى، إن كان عالما أنّ الْمُقُرِضَ لن يرضى بأخذ العملة غير الرائجة التي حصلت بها المداينة.
ويمكن للمحتاج خارج ليبيا إذا أراد معاملة شرعيّة أن يقترض عملة رائجة كالدولار، لا العملة المحلية في تلك البلد، بحيث إذا رجع إلى بلده يمكنه ردُّ دَيْنِهِ بالدولار، ويمكنه أيضا ثم في وقت السداد أن يرده بالعملة لليبية إذا أرادا ذلك بالشروط المتقدمة في الفتوى، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
21//جمادى الآخرة//1446هـ
23//12//2024م