بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1959)
ورد إلى دار الإفتاء الأسئلة التالية:
نحن أعضاء جمعية للأعمال الخيرية، هدفها القضاء على المسكن غير اللائق بمدينة زليتن، وذلك ببناء مساكن لائقة للأسر المحتاجة، بعد الكشف الميداني من اللجنة المشكلة بالخصوص، والتحقق من فقرهم واحتياجهم، نرجو منكم الإجابة على الأسئلة التالية:
السؤال الأول:
هل يجوز إعطاء أموال الزكاة لفقير لبناء مسكن، في حال عدم وجود من هو محتاج للمأكل والمشرب؟ وماهي المعايير في ذلك؟ وهل تشمل عملية البناء كماليات المبنى؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيجوز إعطاء الزكاة لمن لا يملك المسكن، وهو غير قادر على بناء بيت ليسكن فيه، بشرط أن لا يجاوز قدر الحاجة الأساسية، أما إن كانت الصيانة تحسينية للكماليات والرخام والديكورات وما شابه، فلا يجوز إعطاء الزكاة لذلك، والله أعلم.
السؤال الثاني:
هل يجوز إعطاء الزكاة لمريض الكلى الذي لا يمتلك إمكانيات العلاج؛ لإجراء عملية زرع في الصين؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالزكاة لها مصارف معلومة، قد بينها الله تبارك وتعالى في قوله: )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( [التوبة:60]، فلا تعطى الزكاة للعلاج، إلا أن يكون المريض فقيرًا، فإن كان فقيرًا أعطي من الزكاة كما يعطى الفقراء، وله أن يعالج نفسه بالزكاة، أو ينفقها على نفسه، وهو في هذه الحالة يعطى بصفة الفقر، ولا شك أن الفقر إذا كان معه المرض، فإن صاحبه يكون أكثر احتياجًا، والعلماء ذكروا في باب الزكاة أنه يقدم من كان أشد حاجة وفقرًا على من هو أحسن منه حالًا، قال الشيخ خليل رحمه الله: “وندب إيثار المضطر”، قال الدردير رحمه الله شارحًا له: “أي المحتاج على غيره بأن يزاد في إعطائه منها” [الشرح الكبيرللدردير:498/1]، والله أعلم.
السؤال الثالث:
شخص يدعي أنه من الغارمين، ولا يوجد مايثبت ذلك، خاصة في ظل وجود ما يسمى بالبيع بالآجل، الذي يؤدي في الغالب إلى ضياع رأس ماله بالكامل، فهل يجوز مساعدته من أموال الزكاة بحجة أنه أحد الأصناف الثمانية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيجوز إعطاء الزكاة لمن عليه دين وعجز عن سداده، بعد التحقق من ضياع مال البائع بالآجل، والتحقق من عدم امتلاكه لما يسد به الدين، وعدم امتلاكه لعقار زائد عن حاجة سكناه لأنه من الغارمين، وهم أحد مصارف الزكاة الثمانية، الواردة في قوله تعالى: )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( [التوبة:60]، بشرط أن يكون قد استدان في أمر مباح، فإن استدان في معصية فلا يعطى، إلا إذا تاب وحسنت توبته، قال القرطبي رحمه الله: “قوله تعالى: (وَالْغَارِمِينَ) هم الذين ركبهم الدَّيْن ولا وفاء عندهم به، ولا خلاف فيه، اللهم إلا من أدان في سفاهة، فإنه لا يعطى منها، ولا من غيرها، إلا أن يتوب” [تفسيرالقرطبي:183/8]، وقال ابن جزي رحمه الله في تفسيره: “(وَالْغَارِمِينَ) يعني: من عليه دَين، ويشترط أن يكون استدان في غير فساد ولا سَرَف” [التسهيل لعلوم التنزيل:341/1]، والله أعلم.
السؤال الرابع:
هل يجوز مساعدة المحتاجين خارج المنطقة التي بها الجمعية؟ وهل الأولوية للمنطقة التي بها الجمعية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالزكاة تعطى لفقراء البلد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (… فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)[البخاري:1331]، وأنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على معاذ لما بعث إليه بثلث صدقة الناس، وقال له: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فتردها على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني، ثم إن فقراء البلد قد اطلعوا على أموال الأغنياء، وتعلقت بها أطماعهم، والنقل يوحشهم، فكان الصرف إليهم أولى، إلا أن يكون الفقراء في البلد المنقولة إليه أمس حاجة، فيجوز نقلها إليهم، ففي المدونة سئل مالك رحمه الله عن نقل الزكاة من البلد الذي حلت فيه إلى غيره، فأجاب: “في أهل البلد التي تؤخذ فيها، فإن فضل عنهم فضل، نقلت إلى أقرب البلدان إليهم، ولو أن أهل بلد كانوا أغنياء، وبلغ الإمام عن بلد آخر مجاعة نزلت بهم؛ أصابتهم سنة أذهبت مواشيهم أو ما أشبه ذلك، فنقل إليهم بعض تلك الصدقة، رأيت ذلك صوابًا؛ لأن المسلمين أسوة فيما بينهم إذا نزلت بهم الحاجة” [186/2].
السؤال الخامس:
هل تجوز مساعدة الشباب المقبلين على الزواج، وهل تعتبر السن أحد المعايير المعتبرة للمساعدة والأولوية؟ وهل يجوز مساعدة الفقراء والمحتاجين لتوفير بعض الأثاث المنزلي – وخاصة الشباب منهم – من أموال الزكاة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيجوز أن يعطى الرجل الذي يريد الزواج أو المرأة من الزكاة – إذا كان فقيرًا – المقدار الضروري، الذي لا يتم النكاح إلا به، من الملبس والفراش، وما أشبه ذلك، لا ليتوسّع به في الحلي، أو ليعمل وليمة، أو للتوسّع في حفلات الزواج، كإقامته في صالات الأفراح المكلفة، وغير ذلك، قال البرزلي رحمه الله: “إن اشتدت حاجة اليتيمة عن غيرها أعطيت ما تدعو إليه الضرورة من أسباب النكاح” [الجامع لمسائل الأحكام:433/1].
السؤال السادس:
هل جباية أموال الزكاة من قبل الجمعيات الخيرية تعتبر مخالفة شرعية، في ظل وجود مكاتب للزكاة تتبع الدولة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فما دمتم تعرفُون فقراء أومساكين وتتحرون عن مستحقي الزكاة، فلا حرج عليكم في إعطائهم من أموال الزكاة، وإذا بقي شيءٌ فلكم أن تعطوه إلى صندوق الزكاة، والله أعلم.
السؤال السابع:
أسرة فقيرة ومعدمة ومنزلها من الصفيح، ولكنها تملك نصيبا مشاعا في قطعة أرض ذات قيمة، ولا يمكنهم التصرف فيها، فهل يجوز للجمعية بناء مسكن لهذه الأسرة؟ والأسر التي بدأت الجمعية في بناء مسكن لها، ثم تبين لها قدرة الأسرة على استكمال المبنى، هل تستمر الجمعية في البناء أم تتوقف؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيجوز إعطاء الزكاة لمثل هذه الأسر الفقيرة التي تملك عقارا ولا تقدر على التصرف فيه، فما يغني عنها عقار عاجزة عن الاستفادة منه، فلم يخرجها العقار عن وصف الفقر، ومن بدأت الجمعية في بناء مسكن لهم ثم تبينت من قدرتهم على استكمال المبنى، يجب على الجمعية التوقف عن صرف أموال الزكاة لهم، والله أعلم.
السؤال الثامن:
كيفية إخراج الزكاة لصاحب المرتب إذا بلغ النصاب، هل يشترط فيه مضي سنة على بلوغ النصاب؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه ليس في الراتب الشهري زكاة حتى يبلغ النصاب بنفسه، أو بما انضم إليه من مال آخر، أو ذهب أو فضة، ويحول عليه الحول، سنة كاملة بالأشهر القمرية، وإذا وجد منه نصاب حال عليه الحول فإن ما تجدد بعد الحول من مرتب يكون حوله حول النصاب الأول وليس شرطا في كل مرتب شهر أن يحلّ عليه حول بنفسه، لتعذر ذلك مع اختلاط المال، فإن وجدت هذه الشروط فالواجب أن لا تؤخر زكاة المال، وإلا فلا تجب بمجرد قبض الراتب إذا كان صاحبه لا يملك نصابا ؛ لعدم توفر الشروط المطلوبة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
12/رجب/1435هـ
2014/5/11م