مخالفة الموفدين للدراسة في الخارج للوائح والقوانين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5727)
ورد إلى دار الإفتاء اللّيبيّة السّؤال التّالي:
أعمل في وزارة د، وتحصلت على قرار إيفاد للدراسة بالخارج لأبنائي، في سنة 2016م، ولم يكن بطلب مني، الموفد الأول لدراسة طب الأسنان لمدة 60 شهرا، والثاني لدراسة الهندسة لمدة 48 شهرا، وتم تفعيل القرار وإحالة المنح والمصاريف الدراسية للملحقية، بعد مرور 15 شهرا، وبناء على مراسلات وزارة د بشأن تغيير الساحة، بعدما تأكدت من أن الساحة غير مناسبة لهم، تقدموا بإجراءات التأشيرة للساحة الجديدة، ولكن لم يدرسوا فيها، وقررَا إكمال الدراسة بداخل ليبيا، ثم الاستفادة من المنح المودعة في حساباتهم للدراسة العليا (الماجستير) بالخارج، بإحدى الدول التي توجد بها تخصصاتهم.
أما الابنُ الأول فقد أودع له بحسابه ما يغطي 24 شهرًا من كامل المنحة الدراسية، وبقي له 36 شهرًا، وبعد أن أكمل الدراسة الجامعية بليبيا حاول السفر، لكن لم يتحصل على تأشيرة البلد المستهدف، فقرر الاستفادة من المنح التي أودعت كما ذكرنا، وسافر لدولة مصر لدراسة سنة الامتياز، وأخذ العديد من الدورات خلال 7 أشهر، ودفع مصاريف الإقامة والسفر والتأشيرات والدراسة مما أودع بحسابه سابقًا، ويدرس الآن دبلوم زراعة الأسنان، ويأخذ العديد من الدورات الأخرى في مجال تخصصه، ويدفع ممّا أودع سابقًا.
وأما الابن الثاني فقد أودع له في حسابه 24 شهرًا أيضًا، وبقي له 24 شهرًا، ولم يستلم مصاريف الدراسة، ودرس عدة دورات تدريبية بالداخل، وتقدم لدراسة هندسة الاتصالات، وتحصل على قبول بجامعة حكومية بالخارج، لكن لم يتحصل على تأشيرة دخول، ويصرف على السفر والإقامة وعلى طلبات التأشيرة إلى الآن من المنحة الدراسية، ولا يزال يحاول.
السؤال: هل يجوز السعي للحصول على المتبقي من المنحة ومصاريف الدراسة، التي لم تدفع لهما؟ وهل يجوز لهما الاستمرار في الصرف من المنحة التي استلماها على الدراسة في الماجستير والدكتوراه والدورات التعليمية، ذات الصلة بتخصصاتهم، داخل وخارج البلد؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فمِن المعلومِ أنّ المسلمَ مطالَبٌ بالوفاءِ بالعقودِ والشروط، التي يُلزِمُ بها نفسَه تجاهَ غيرِه، وبالخصوص عندَما تُرتّبُ عليهِ العقودُ التزامًا، أو القيام بأعمالٍ، عدمُ الوفاءِ بها يَضرّ بالآخرين.
لذا؛ فإنّ المبعوثينَ للدراسةِ بالخارجِ، على حسابِ وزارة د أو غيرها، مطالَبونَ بالتقيّدِ بلوائحِ الدولة، التي التزمُوا بالوفاء بِها عندَ التعاقُدِ على الإيفادِ، ومخالفةُ اللوائحِ في هذا الشأنِ لا تَجوزُ شرعًا؛ لِما في ذلكَ مِن عدمِ الوفاءِ بالعقدِ، والإخلالِ بالشروطِ؛ لقول الله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِ) [المائدة: 1]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) [أبوداود: 3594]، ولما يترتب على عدم التقيد باللوائح من التعدي على المال العام دون وجه حق؛ لفقد شروط استحقاقه وصرفه.
وقد نصّ الفقهاء على أنّ المعطي إذا أعطى شيئا فإن العبرة بقوله وقصده؛ قال مالك رحمه الله: “قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أَعْطَوْا” [الموطأ: 4/1095].
عليه؛ فإذا علقت وزارة د إعطاء المنحة الدراسية على شروط، ووضعت لها لوائح، فالواجب التقيد بها، ولا يجوز تجاهلها والتصرف في المنحة في غير ما حددته للصرف فيه، والتّصرف في المال قبل أخذ موافقة الجهة المانحة، وبإجراء قانوني، يرتب على الآخذ ضمانَ ما أخذ وردَّه.
وكان الواجب السّؤال ابتداءً قبل التّصرّف في المنحةِ، ولو جُزئيًّا، ويجبُ الآن تسويةُ ما حصل من تجاوزات – إن ثبتتْ – مع الجهة المانحة، وردُّ الأمور إلى نصابها، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
02//صفر//1446هـ
06//08//2024م