بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5885)
السيد المحترم/ مدير مستشفى ت ض ك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة السؤال عن حكم النظام الأساسي المرفق، لإنشاء صندوق تكافلي للمستشفى.
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فلا حرج في إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي والاشتراك فيه؛ لأنه من التعاون على البرّ والتقوَى، قال الله عز وجل: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) [مسلم:2699]، ومن يدفعُ كلّ شهرٍ مبلغًا معينًا لهذا الصندوقِ طواعيةً، لا يدفعُها ليغامرَ بها رغبةً في كسبِ مالِ الآخرين، وإنما يفعلُ ذلك ليعين نفسَه ويعينَ غيره، عندما تنزل به أو بهم نازلةٌ لا يقدرون على دفعها، حتى يدفعوها متعاونينَ؛ وهو بذلك مأجورٌ ـ إن شاء الله ـ فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين، فقال عنهم: (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ؛ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) [البخاري: 2486، مسلم: 2500]، فمالُ الأشعريين قد يصيب فيه أحدُهم أكثر مما يصيبُ غيره، ومال الصندوقِ كذلك؛ قد يصيبُ فيه أحدُ المشاركين أكثر مما يصيب غيره، فليس فيه غررٌ مُضِرٌّ ولا غبنٌ، كما لم يكن في ثوب طعامِ الأشعريين غررٌ ولا غبنٌ، وقد نصّ علماؤُنا رحمه الله على أن الغرر المضرّ، هو ما كان في المعاملاتِ المبنية على المعاوضةِ والمماكسة، لا في عقودِ التبرعات، التي منها الصناديق التكافلية، قال القرافي رحمه الله: “الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالاَتُ وَالْغَرَرُ، وَقَاعِدَةِ مَا لاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ… وَمِنْهُمْ مَن فَصَّلَ -وَهوَ مَالكٌ- بين قاعدة مَا يُجتَنَبُ فِيهِ الغَرَرُ وَالجَهَالَة، وَهْوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا، وَقَاعِدَة مَا لاَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهْوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لِذَلِكَ… وَثَانِيهِمَا مَا هُوَ إِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ؛ كَالصَدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالإْبرَاءِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ، بَلْ إِنْ فَاتَتْ عَلَى مَن أَحْسَنَ إِلَيْهِ بِهَا لاَ ضَرَرَ عَلَيهِ – أي بِفَوَاتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا نَظِيرَ مَا فَاتَهُ- بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، إِذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالجَهَالاَتِ ضَاعَ الْمالُ المبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعُ الجَهَالَةِ فِيهِ” [الفروق: 2/137].
وبعد مراجعة النظام الأساسي لصندوق التكافل الاجتماعي لموظفي مستشفى ت ض ك، تبينَ الآتي:
أوَّلًا: أنَّ النظام الأساسي بحاجة إلى إضافة فصل، تُذكر فيه المبادئ التي يلتزم بها الصندوق، عند تقديم خدماته للمشتركين، يتضمن الفقرات التالية:
- أنَّ الصندوق ملتزم بأحكام الشريعة الإسلامية في كلِّ ما يقوم به من أعمال، بما في ذلك: عدم استثمار أو إيداع أموال الصندوق في أمور محرمة، كالمصارف الربوية وغيرها.
- أنَّ الاشتراك في الصندوق قائم على أساس التبرع والتكافل من قبل المشتركين؛ لإعانة بعضهم بعضًا على البرّ والتقوى، ويلتزم الصندوق بتحقيق مبدأ التكافل بين المشتركين، وذلك من خلال تقديم المساعدة لهم، طبقًا للشروط المنصوص عليها في النظام الأساسي.
- يعتبر كلُّ مشترك شريكًا في رأس مال صندوق التكافل، بنسبة ما دفعه من اشتراكات، ويلتزم بالتعاون مع بقية المشتركين، في الحالات المنصوص عليها في النظام الأساسي.
- يفوض المشتركون لجنة الإدارة في استثمار المتوفر من أموال الصندوق، كليًّا أو جزئيًّا، نيابة عنهم، بالوسائل المقبولة شرعًا.
- يحق لكل مشترك إنهاء اشتراكه متى شاء، بشرط إعلام الصندوق بذلك خطيًّا، قبل الإنهاء بشهر على الأقل، ما لم يؤدِّ انسحابه إلى الإضرار بالصندوقِ أو الإخلال بالتزاماته، وفي كل الأحوال، يخصم من مجموع اشتراكات المنسحب نسبة حصته من الإعانات الممنوحة للمشتركين الآخرين، في الفترة بين إيداع اشتراكه وانسحابه الفعلي، بأن يقال: كم مقدار ما اشترك به العضو في الصندوق منذ انضمامه، وكم هي التعويضات التي دفعت للمشتركين في الفترة من وقت اشتراكه إلى وقت انسحابه، فيخصم منه نسبة ما ينوبه من التعويض، ويرد له الباقي إن كان بقي له شيء.
- عند تصفية الصندوق؛ يُردّ ما تبقى من موجوداته -بعد سداد التزاماته- على المشتركين؛ كلٌّ حسب نسبة اشتراكه، ويتبرع بالجزء الذي لا يمكن التوصل إلى أصحابه في وجوه البر.
- الفائض المتحقق في الصندوق حقٌّ للمشتركين، وهو مملوكٌ لهم ملكًا مشتركًا.
- حرصًا على التزام الصندوق بأحكام الشريعة الإسلامية وعدم مخالفتها؛ على الصندوق تكليف مستشارٍ شرعيٍّ يوجِّه أعماله.
ثانيًا: جاء في المادة (3) من النظام الأساسي، ما نصه: “يمول الصندوق… وما يستقطع من مرتبات الموظفين بالمركز على سبيل الجزاء وفقا للتشريعات…”.
الدولة قد أعطت الإذن في جعل ما يخصم من مرتب الموظف بسبب الغياب ونحوه، من ضمن موارد الصندوق التكافلي بمؤسسات الدولة، بقانون العمل رقم (12) لسنة (2010) م، لذلك؛ فما دامت الدولة أذنت فلا حرج، وننوه أن الأصل أنه مملوك للدولة، وأن الجواز معلق ببقاء العمل بهذا القانون، وقدْ حذرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن التخوّض في مالِ الله بغيرِ حقّ، فقال: (إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيرِ حَقّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ) [البخاري: 3118].
ثالثا: جاء في المادة (4) من النظام الأساسي، ما نصه: “وفي حالة انسحاب المنتسب لا يحق له المطالبة بالرسوم التي خصمت كما يجب إبلاغ مجلس الإدارة…”، والمادة (5) ما نصه: “يكون رسوم الاشتراك الدوري 1% من إجمالي المرتب، ولا يرد الاشتراك المذكور لأي سبب كان…”، هاتان المادتان ينبغي أن تُعدلا، وفق الفقرة الخامسة المذكورة آنفا من الفصل المضاف.
رابعا: جاء في المادة (11) من النظام الأساسي، ما نصه: “يقدم الصندوق… إعانة مالية في الوفاة للمشترك…”، الواجب في حالة وفاة المشترك، إعطاء الإعانة لأسرة المتوفى بعد نهاية العزاء؛ ليستفيدوا منها في غير المنهي عنه، لا في العزاء؛ لما يحصل -غالبًا- من مخالفةٍ عند دفع المال لمن يموت له أحد قرابته، فيستعين بذلك على شراء الذبائح وإطعام الطعام، وهو منْهيٌّ عنه؛ لما جاء عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: (كُنَّا نَرَى الاِجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةِ الطَّعَامِ مِن النِّيَاحَةِ) [ابن ماجه: 1612]، ولا تجوزُ الإعانةُ على المناهي، وترسيخُ هذه العادة القبيحة، التي تحوِّل المآتم إلى ضيافة وولائم.
خامسًا: جاء في المادة (17) من النظام الأساسي، ما نصه: “تنتهي عضوية المشترك بانتهاء خدمته لأحد الأسباب المحددة قانونا لانتهاء الخدمة”، يفضل الاستعاضة عن هذه المادة بشرط واحد، وهو: وفاة المشترك، أو امتناعه عن دفع الاشتراك لمدة معينة معلومة؛ فليس مِن العدل أن يُحرم المشترك من الاستفادة من الصندوق ويُخرج منه لمجرد توقف مرتبه أو تقاعده، مع استمراره في سداد الاشتراك بالآلية التي تحددونها له، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//جمادى الآخرة//1446هـ
30//12//2024م