بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5746)
السيد المحترم/ رئيس مجلس إدارة شركة س ع ق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فردًّا على مراسلتكم المتضمنة لطلب فتوى شرعية، في بنود العقد الذي تبرمه الشركة مع عملائها لبيع الشقق بالتقسيط، واقتراحِ التعديلات الشرعية على البنود المشتملة على مخالفات، حيث تبدأ الشركة في تنفيذ المشروع وتفتح الحجز للمواطنين، على أن يتم تسليم الشقق بعد مدة معينة.
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن بيع الشقة بالأقساط على أن يُجهّزها البائع، ويسلِّمَها بعد مدة، يعد من عقود الاستصناع، وهي من العقود الجائزةِ، إذا بُينتْ فيه أوصافُ المبيع بيانًا مزيلًا للجهالة، وكان الأجل معلومًا، وقد وُجِد في العقد المرفقِ بعضُ الملاحظات، نذكرها مع ذكر المقترحِ لتصحيحها:
الملاحظة الأولى: ورد في البند الرابع: أن الطرف الثاني [المشتري] عاينَ العقارَ معاينة نافية للجهالةِ، وأنه قبله بحالتهِ التي هو عليها.
وهذه العبارةُ توهمُ أن المشتريَ اشترى العقارَ على هذه الحالةِ، وأنه إنما استأجرَ الشركة على تمام البناء، وحينئذ يخرجُ باقي العقد إلى الإجارة، ويترتبُ عليه أنّ صاحبَ الشركة لو امتنع عن إكمال البناءِ لأي ظرفٍ، فإنّ البناء يكون في ملكِ المشترِي، وهو بهذهِ الحالة التي لم يتم تنفيذها، والحالُ أنّ ثمنَ الهيكلِ لم يُذكر في العقد، فيؤولُ البندُ إلى جهالة في الثمن، فنقترحُ أن تحذف هذه العبارةُ، أو يستبدلَ بها: “وأنه قبلهُ على الحالة التي سيتمُّ بيانها في البندِ الخامس”.
وهذا ينقلنا إلى الملاحظةِ الثانية في البند الخامسِ، حيث ذكرَ فيه أن صاحبَ الشركة يلتزم بتجهيز الشقةِ “بالمواصفات المعمول بها”، وهذه الجملة غيرُ كافية في نفي الجهالة؛ لأن التشطيبَ يتفاوت تفاوتًا كبيرًا في أسعارهِ وجودَته، فيشترطُ بيانُ هذه المواصفات، بتفصيلات ترفع عنها الجهالة، ولا يكتفى بكونها مِن الدرجة الأولى، أو التشطيبِ المتوسط… مثلا، بل يجبُ أن يَتّفِق الطرفان على مواصفاتٍ معينة، إما أن تذكرَ في العقدِ، أو تذكرَ في ملحقٍ، ويُشارَ إليها في هذا البند بعبارة: “تجهيزُ الشقةِ بالمواصفاتِ المتفق عليها في ملحقِ العقد” مثلًا.
الملاحظة الثالثة: في المادّة العاشرةِ اشترطَ البائع على المشتري، أنه في حالة تخلفَ عن دفع الأقساطِ، فمن حقه إلغاءُ العقد معه، وخصمُ 30% من القيمة المدفوعةِ له من المشتري، وهذا الخصمُ لا وجهَ له شرعًا؛ فهو مِن أكل المالِ بالباطل، بل غايةُ ما يحق للبائع أن يأخذَ الخسائرَ الفعلية التي تكبدها، في حالِ تسبّبَ إخلال المشتري بخسائر، وإلا فالأصلُ أن الشركة لم تخسرْ شيئًا، لأن المنزلَ ما زال بيدها قبلَ إكمال البناء، وأما بعدَ البناء وسَكَنِ المشتري فيه، فيحقُّ لها أن تحتاطَ لنفسها، برهنِ المبنى نفسِه، على ما ذهبتْ إليه أغلبُ هيئاتِ الفتوى والمجامع الفقهية، من عدمِ اشتراطِ حيازة المرتهِن للرّهنِ، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 133 (14/7)، المنعقد بالدوحة في دورته الرابعة عشرة، من 8-13 ذو القعدة 1423هـ، الموافق 11-16 كانون الثاني (يناير) 2003م ما نصه: “لاَ يَحِقُّ لِلْبَائِعِ الاحْتِفَاظُ بِمِلْكِيَّةِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَهْنَ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لِضَمَانِ حَقِّهِ فِي اسْتِيفَاءِ الْأَقْسَاطِ الْمُؤَجَّلَةِ”.
الملاحظة الرابعة: في المادة الثانية عشرة يشترطُ صاحبُ الشركة على الزبون أن يدفع 100 د.ل شهريا، مقابل أعمال النظافةِ والحراسةِ وشفطِ مياه الصرف الصحيّ، و”جميع الخدمات الخارجية والخدمية”، يضاف إلى هذه العبارة الأخيرة: “وجميع الخدمات الخارجية والخدمية” عبارة: “على ما جرى به العرف”؛ لتخرج عن الجهالة.
وهذا البندَ هو من الإجارة بالمشاهرةِ، وهي من العقودِ غير اللازمة، فلكلٍّ من المؤجِر والمستأجرِ التركُ متى شاءَ، إلا في خلالِ الشهر الأول؛ فإنَّ العقد فيه لازمٌ، وإذا لم يُفسخ بعد مضي الشهر الأولِ فإنه يتجددُ تلقائيًّا للشهرِ الذي يليه وهكذا، حسب ما يتم الاتفاق عليه، مما تقتضيه التعديلات الطارئة على العقد بالزيادة أو النقص ونحو ذلك.
الملاحظة الخامسة: في المادة الثالثة عشرة ذُكِر أن الطرفَ الأول إنما يتنازل عن الشقةِ بعد استكمال الطرف الثاني دفعَ كامل الأقساط، وفي المادة التي تليها أُكِّدَ ذلك بالنصِّ على أن مِلْكية العقار تعود للطرف الثاني بعدَ دفع كامل الأقساط، وهذان البندانِ ينافيانِ عقدَ البيع؛ لأن مقتضى عقد البيع أن تنتقلَ فيه الملكيةُ بمجردِ العقد، لا بعد استيفاءِ الأقساط، فتلغى هذه المادة.
وإذا أرادَ البائع أن يحتاطَ لنفسه، ويضمنَ دفعَ المشتري لأقساطه؛ فيمكنهُ أن يجعل الشقةَ رهنًا، على النحو الذي سبقتِ الإشارةُ إليه في الملاحظة الثالثة.
الملاحظة السادسة: ذُكِر في المادة الثامنة عشرة، أنَّ المشتريَ إذا أفسدَ شيئًا من الموقعِ، فإن البائع يقوم بإعداد تقريرٍ وإلزامِه بدفعِ القيمة.
تستبدل هذه العبارة، فالمشتري إذا أفسد شيئا بداخل الشقة فلا ضمان عليه؛ لأنه مالكها، وإن كان الفساد متعلقا بما هو خارج الشقة من الأجزاء المشتركة من المبنى، فإنها تقوم عليها قيمة عدلٍ يتفق عليها الطرفان، قال الدردير رحمه الله: “(وإنِ اختلفا في قيمة تالفٍ)… (قُوِّمَ) من أهل الخبرة” [شرح مختصر خليل: 3/260]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عصام بن علي الخمري
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
21/صفر/1446هـ
25/08/2024م