مسائل متعلقة بالإسمنت والحجز في المنظومة والمحاباة والبيع
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5679)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا موظفٌ في الشركة الأهلية للإسمنت المساهمة، أسألُ عن حكم ما تفعله الشركة من فتح باب الحجز بالمنظومة للمواطنين مدةً قصيرةً جدًّا، لا تتجاوزُ الدقائقَ، مرةً واحدةً في السنة تقريبًا، مما يدفعُ المواطنَ المحتاجَ لشراءِ الإسمنت للتوجهِ إلى السوق، في الوقتِ الذي تتيحُ فيه الإدارة الحجزَ خارجَ المنظومة لبعض الناس، وتـمنَحُ الموظفين ميزةَ حجزِ كميةٍ تقدر بمائة وخمسينَ قنطارًا كلّ شهرين تقريبًا، ويحجزُ الموظف الكمية بصكٍّ مصدق، ثم يستلم إيصالًا، ثم ينتظر موعدَ التسليم، ويعتصمُ الموظفونَ إن توقفتِ الشركةُ عن منح هذه الكمية، والشركة متعاقدةٌ مع شركة شحنٍ؛ لتوصيل كمية الإسمنت المحجوزة للموظفين بأسعارٍ مبالغٍ فيها، وما حكمُ بيعِ الموظف للكمية المحجوزة قبل إصدار الصكِّ؟ وما حكم بيعها بعد إصدار الإيصال؟ وما حكم بيعها للسائقِ بعد استلامها وقبلَ توصيلها؟ وما حكم بيعها بعدَ توصيلها؟ وما حكم بيعِ ما تبقَّى منه في السوق؟ وإذا لم ينتظر الموظف حجزه واشترى الإسمنتَ من السوق؛ فهل يجوز له بيع ما حجزه بعد ذلك بإحدى الطرقِ المذكورة؟ وهل يجوز له الحجزُ لأجل بيعها في السوقِ بهامشِ ربح أقلّ من السوقِ، أو مساوٍ له؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمصانعُ الإسمنتِ من المؤسساتِ المدعومةِ من الدولة، وهذا الدعمُ من الأموال العامة، ورئيسُ وأعضاء مجلس الإدارةِ المطلوبُ منهم العدلُ في التعاملِ مع الناسِ، وتكافؤ الفرصِ بينهم في التوزيع، دون محاباةٍ للموظفينَ ولا لغيرهم، عن طريقِ الوساطاتِ والقراباتِ، أو مَن يدفعونَ الأموال، فإن الله تعالى يقول: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ) [النساء: 135] ويقول: (ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ) [المائدة: 8].
عليه؛ فلا يحقُّ للمسؤولين في الإدارةِ قفلُ منظومةِ الحجز عن عامةِ الناس، وفتحُها لمعارفهم، أو لغيرهم ممَّن يقدمون لهم خدمةً في أماكن أخرى نظيرَ الحجز لهم، فذلك كلهُ يعدُّ من قبيلِ الرشوة، والمصانعةِ وشراءِ الذمم.
وسوءُ التوزيع الحاصلُ في هذه السلعةِ مع شحِّها، يزيد من ارتفاعِ أسعارِها على من لا يجدونَ معارفَ لهم في المصنع أو قراباتٍ، وهذا ظلمٌ يتحمل مسؤوليته من يديرونَ المصنع، فالعدلُ يقتضي بأن يكونَ قانون صرفِ الإسمنتِ واحدًا على جميعِ الناس، يعانُ به مَن أرادَ البناء، لا مَن يُتاجر به، لا فرقَ بين العاملين بالمصنعِ، أو غيرهم.
واعتصامُ الموظفين من أجلِ محاباتهم لا يبيحُ لمجلس الإدارة محاباتهم، بل الواجبُ تطبيقُ القوانين على مَن يأبى العملَ دونَ عُذر.
وهذا النوعُ من البيوع للسلعة قبلَ قبضها ممن يحترفونهُ، يعسِّرُ على الناس، ويرفعُ أسعار السلع؛ فلا يصلُ إليها المحتاج، وقد جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم الوعيدُ والتحذيرُ مِن فِعلِ مَن يُغلِّي على الناس أسعارهم، ومِن كلّ فعلٍ يؤدّي إلى ذلك، كالنهيِ عن الاحتكار، والنهي عن بيع الطعام قبل قبضه، ونحو ذلكَ، وهو من الضررِ على عامةِ الناسِ، الذي يحرمُه الشرعُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) [الموطأ: 1429].
وبيع الإسمنتِ قبل قبضه ممَّن يتربصونَ بالسوق ويحترفُون هذا العملَ، ممنوعٌ حتى على رأي المالكية، الذين يجيزون بيع السلعةِ قبل قبضها، ويُعَدُّ عندهم من بيوعِ العينة المحرمة؛ لأنه يؤولُ إلى استبدال مالٍ بمالٍ بزيادةٍ، والسلعةُ لغوٌ؛ لأن مشتريها لا غرضَ له فيها ابتداءً، وسواء حصل هذا البيعُ قبل إصدارِ الصك أو بعد إصدارِ الإيصال، قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) [أبو داود: 3462].
أما مَن اشترى الإسمنتَ وتملكهُ بصورة جائزةٍ، بناءً على حقهِ في أولوياتِ الحجز، ثم فضلَ له منه شيءٌ بعد إكمالِ بنائه، فله أن يبيعَهُ بما شاءَ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
20//ذو الحجة//1445هـ
25//06//2024م