بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5986)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
في سنة 2004م اشترى زوجي ثلاثمائة كيسٍ من الإسمنت، بقيمة ألف وستمائة وخمسين دينارًا مِن أحد أصحابه، ولم يسدد زوجي المبلغ لصاحبه لظروف لا أعلمها، إلى أن توفاه الله سنة 2019م، وقبل وفاته كان قد كتب قائمة بالأشخاص المدين منهم، ومنهم الرجل المذكور، وعندما تواصلنا مع الرجل لإبراء ذمة زوجي من الدين، رفض المبلغ المطلوب، وطلب مبلغًا قدرُه أحد عشرَ ألف دينار (11.000)، مدّعيًا أن قيمة الإسمنت تغيرت وتضاعفت، ويريد قيمته بالسوق الحالي، فهل ما طلبه صحيح شرعًا، أم ما يلزمُ زوجي هو قيمة الدين فقط دون زيادة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذا المدين بثمن الإسمنت إن استمر معسرًا من وقت ترتب الدين في ذمته إلى أن مات ولم يقدر على أدائه فهو في عفو الله؛ لأن الله تعالى يقول: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)، وإن كان في وقت من الأوقات قادرًا على أداء الدين وماطل في ردّه فهو ظالم؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم: يقول (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلمٌ) [البخاري: 2166]، فقوله صلى الله عليه وسلم: (ظُلْمٌ) يدلّ على أن مماطلة الغني في قضاء الدين كبيرةٌ من كبائر الذنوبِ، تُحلُّ عِرضَهُ وعقوبتهُ، كما جاء في بعض الروايات.
أما فيما يتعلق بالواجب أداؤه في الدين من تركته فإنّه إذا كان شراؤه للإسمنت بعقد صحيح لا غَبنَ فيه، أي كان بسعرِ السّوق في ذلك الوقت، فالواجب على الورثة دفع ما تقرر من الثمن في ذلك الوقت، ولا يُنظرُ إلى تغيّر الأسعار؛ لأنّ الديون يجب دفع عددها لا قيمتها.
لكن إن كان المدين مماطلًا في حياته ومانعًا صاحب الحقّ من حقّه فالواجب على الورثة أن يتصالحوا مع الدائن على قيمة وسط بين ما طلبه الدائن من سعر الوقت وبين الثمن المتقرر في الذمّة منذ تلك السنين الطويلة؛ لأن تغير الأسعار في هذه المدة الطويلة كان كبيرا أوقع غبنا فاحشا على الدائن يجب المصالحة معه لإرضائه بسبب الظلم الذي وقع عليه من المماطل؛ فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 231 (2/24): “عِنْدَ حُصُولِ التَّضَخُّمِ الْفَاحِشِ بَعْدَ نُشُوءِ الدَّيْنِ لاَ مَانِعَ مِنِ تَوْزِيعِ الضَّرَرِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ صُلْحاً”، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
21// شوال//1446هـ
20// أبريل//2025م