بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3099)
الأستاذ / رئيسُ منظمة التضامنِ لحقوق الإنسان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم بخصوص رفض دار الرعاية في طرابلس قبول الأطفال اللقطاء فاقدي القيد، وكذا المصابين بمرض (الإيدز)، وأن مدير إدارة المؤسسات الاجتماعية رد على طلبكم بالخصوص، بأن قبولهم منافٍ للائحة الداخلية المعمول بها، والتي نصت على: “أنْ يكون الطفل خاليا من الأمراض المعدية والمزمنة، والتأكد من إجراءات التطعيم ضد أي مرض سارٍ أو مُعدٍ”، وأنكم وجدتم في القانون ما يدل على قبولهم، كما جاء في قرار وزير الشباب والشؤون الاجتماعية رقم (19) لسنة 1972م، بشأن تنظيم دور الرعاية في المادة رقم (1): “تتولى دور الحضانة قبول الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات، وذلك وفقا للترتيب والشروط التالية:
1- الأطفال اللقطاء دون قيد أو شرط.
2- الأطفال المحالين من الجهات القضائية ومراكز الشرطة والمستشفيات”.
“المادة رقم (5): “يتعين توقيع الكشف الطبي على كل فرد تقرر قبوله في إحدى دور الرعاية الاجتماعية المشار إليها في المواد السابقة، ولا يتم القبول إلا بعد إثبات حالته الصحية والتأكد من خلوه من الأمراض المعدية، ما لم يكن لقيطا أو محالا من جهة قضائية، فتتخذ إجراءات الكشف عليه فورًا، فإذا كان مريضا تعين عزله المدة اللازمة، أو إرساله إلى المستشفى”. وقولكم أن (الإيدز) مرض مزمن وليس من الأمراض المعدية التي تنتقل بواسطة التنفس أو اللمس، ولا ضرر على مَن يخالطه ويرعاه إلا في حدود ضيقة ومسائلَ معروفةٍ، يمكن الاحتراز منها، ولا توجد في ليبيا مؤسسات خاصة لإيواء من ليس لهم مأوى؛ من اللقطاء فاقدي القيد أو المصابين بمرض (الإيدز).
وطلبكم كذلك النصيحة لمؤسسات الدولة عامة، وللمؤسسات الاجتماعية والتعليمية وكتاتيب القرآن خاصة، بمراعاة هذه الفئات المستضعفة، وقَبولهم، وعدمِ رفضهم، والأخذِ بأيديهم، وعدمِ عزلهم لوحدهم؛ لأن العزلَ آثاره النفسية مدمرة، ولا موجب له.
والجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصلُ أن كلَّ إنسان له حقوق تتصل بإنسانيته وآدميته، لابد من مراعاتها واعتبارها، وإذا كان مريضًا فله حقوق المرضى، التي يوجبها الشرع أولًا، وأنظمة ممارسة المهنة ثانيًا، خاصة إذا كان من الأطفال الذين لا ذنب لهم ولا جريرة، فعلى المسؤولين في دور الرعاية أن يتقوا الله في هؤلاء الأطفال بقبولهم ورعايتهم صحيا ونفسيا، وعدم رفضهم وإضاعتهم، ولْيَعلموا بأنّ ما ألزمتهم به القوانين واللوائح النافذة من رعاية وقبول هذه الشريحة، فإن الشرع يلزمهم به كذلك؛ لأن رفضهم مخالف للقوانين واللوائح السارية بالخصوص، وإضاعةٌ لنفس محترمة، فإذا لم يؤوه، وهم الجهة الوحيدة المخولة بموجب القانون؛ فمن يؤويه؟!
والواجب على جميع المسؤولين أن يتقوا الله تعالى فيما استرعاهم من رعية، وأن يعالجوا هذا الأمر؛ وفاءً بما تحملوه من أمانة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيته) [البخاري:853،مسلم:1829].
وعلى الناس عموما حق المعاملة الحسنة لهؤلاء الأطفال، والشفقة عليهم، وعدم إيذائهم وإهانتهم، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
26/محرم/1438هـ
27/أكتوبر/2016م