بسم الله الرحمن الرحيم
(مِنَ المؤمِنينَ رجالٌ صَدقُوا ما عاهَدوا اللهَ عليهِ)
في قافلة مَن بذلوا أرواحَهم الغالية في سبيل الله، فقدنا بالأمس وقبلَه رجالًا نحسبهم عند الله شهداء، صدقوا مَا عاهدوا الله عليه، عرفنَا منهم في كلّ المدن الليبيةِ رجالًا أبطالًا، كانوا مِثالا في التضحيةِ والإيثارِ والفداءِ، شُجعانًا لا يولّون الأدبارَ.
في الجبهةِ الشرقية؛ قدّمت مصراتة في يومٍ واحدٍ أكثرَ من عشرة، نحسبهم عند الله شهداء، والمصابونَ بالعشراتِ، فيهم قادةٌ ميدانيون، عائلة واحدة مِن عائلاتهم العالية القدر، العظيمة الشأن، عائلة (الغليو) المجاهدة، قدّمت إلى حدِّ الآن واحدًا وثلاثين من أبنائِها في سبيل الله، وهذا غايةُ الشرف.
عُرف أبناءُ مصراتة – مِن فضلِ الله عليهم – بأنّهم صُبرٌ في الحرب، صدقٌ عندَ اللقاءِ، لهم في المعاركِ تجربة ودربة ومِراس، وفي الجبهاتِ هم فرسانٌ
، لا يُشقّ لهم غبارٌ، لذا ظفرتْ هذه المدينة بما لم تظفر به أي مدينة أخرى، في أعدادِ الشهداء والجرحى والمصابين، ولا أرى هذا إلا اصطِفاءً مِن الله تبارك وتعالى لهم، وليس ابتلاءً، اصطفاءٌ يستحقُّ منهم أن يحمَدوا اللهَ تعالى عليه ويشكروه.
هم، وإنْ حملوا عِبأً كبيرا مِن أمن ليبيا، فليسوا وحدهم، هم بإخوانِهم مِن سائر المدنِ الليبية؛ في زليطن وتاجوراء، وفي سوق الجمعة وطرابلس وجنزور، والزاوية وصبراتة وزوارة، وجبل نفوسة وغريان.
قدّموا جميعًا تضحياتٍ عظيمة، وخِيرةً مِن رجالِهم أبطالا، عَرَفَت الجبهاتُ نِزالَهم وبلاءهم في سبيل الله، وثباتَ أقدامِهم، ورَباطة جأشهم في أرضِ المعارك.
منهم البطلُ المجاهد القائد الميداني؛ الشيخ (صلاح البركي)، من مدينة ترهونة الوفية للثورة، الحافظة للعهد، صلّى المسلمون على الشيخ صلاح ظهر هذا اليوم، في جمع كبير حاشد، هو ورفيقه في ميدان الشهداء بوسط العاصمة، عَرف الناسُ صلاحًا البركي بطلًا شهمًا، شجاعًا فارسًا مِقدامًا، مسلما دَيِّنًا طَيِّعا، وقَّافًا عند أمر الله ونهيه، كلّ مَن عرف الشيخ صلاحا عرَف شدةَ بأسه في الحرب، وقوةَ شكيمتِه في العراك، وبسالَته في القتال، عرفته الجبهاتُ في مقدمةِ الصفوف، مُقبلًا غيرَ مدبر، لكن حكم الله، ولا معقب لحكمه، (لكلِّ أجلٍ كتابٌ)، إن القلب ليحزن، وإن الوطنَ على فراقه وفراق إخوانه، ممّن بذلُوا أرواحَهم في سبيل الله، في كلّ مدن ليبيا، لمَحزونُون، ولا نقول إلا مَا يُرضي ربنا: (إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعُونَ)، اللهمّ تقبّلهم جميعًا في عليّين، واخلُفهم في عَقبِهم في الغابِرين، واغفر لنَا ولهم أجمعين.
نسألُ اللهَ أن يتقبّلهم جميعًا في الشهداءِ، ويُسكنَهم فسيحَ جناتِه، ويعوضَ أهلَهم ووطنَهم فيهم خيرًا، وهنيئًا لمن ماتَ في سبيل الله محتسبًا، مُقبلًا غيرَ مدبرٍ، فما مِن أحدٍ يخرجُ مِن الدنيا ويتمنّى أن يرجعَ إليها عدَا الشهيد؛ لِما يرى مِن كرامةِ الشهادةِ، وعلُوِّ المنزلةِ.
في صحيحِ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ).
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الأحد غرة جمادى الأخرة 1436 هـ
الموافق 22 مارس 2015 م