طلب فتوى
Uncategorized

نزع الملكية عن العقارات الخاصة من قبل الدولة وعدم تعويض أصحابها سنين طويلة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2791)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

لدينا بيت بمنطقة أولاد بالحاج بسوق الجمعة، حِيل بيننا وبين التصرف فيه بالبيع على مدى أكثر من عشرين عامًا؛ لأنه مصنف بمصلحة التخطيط العمراني على أنه مرفق تعليمي، وإلى حدِّ الآن لم ينفذ المخطط، ولم تستلمه وزارة التعليم، ولم تنتزع ملكيته، ولم يدفع لنا ثمنه، بل بقينا معلقين غير قادرين على التصرف فيه، رغم حاجتنا الماسة إلى بيعه، وإذا ذهبنا إلى الجهات المعنية؛ (الإسكان أو مصلحة التخطيط العمراني أو إلى التعليم)، أحالَتنا كلُّ جهة إلى الجهة الأخرى، يتدافعوننا بينهم دون جدوى، وأخيرا طلبت منّا الجهة التي تملك رفعَ الصبغة التعليمية عنه خطابًا من وزارة التعليم، يفيدُ موافقتها على رفع الصبغة التعليمية؛ لأنها الجهة المخصص لها العقار؛ لننتفع به، وقد التجأنا إلى كل المؤسسات والجهات المعنية، ولم نجدْ مَن ينصفنا، فهلْ يحلُّ شرعًا لمؤسسات الدولة أن ترهن أملاكَ الناس هذه المدةَ الطويلة، دون سببٍ مشروع، وأن تَحُولَ بينهم وبين التصرفِ فيها، علمًا بأنّ اللوائحَ تنصُّ على أن ما يتم تصنيفُه ضمن المرافق العامة، يجبُ ألَّا تتجاوزَ مدة البتِّ فيه بنزع الملكية وتعويض المالكِ مدةَ خمسِ سنواتٍ، والآن – بعد عشرين سنة – تقولُ إنها لا قدرةَ لها على تعويض المالكِ، وتعلق الإذن برفعِ الصبغة على الإذنِ من وزارة التعليم، فهل يحق لوزارة التعليم أن تمتنعَ من منحِ هذا الإذن، والحال ما قد علمتم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فلعل هذه الحالة الواردة في السؤال ليست الحالة الوحيدة، التي يتعرض فيها الناس للتحجير عليهم في أملاكِهم، بل ربما هناك المئات من الحالات المشابهة، التي تم بمقتضَى المخطط العام للتخطيط العمراني، الذي صُمِّم منذ أزيد من عشرين عامًا، وصنَّفَ – داخل المدن – المناطقَ إلى مناطق تعليمية، وصحية، وخضراء، وغير ذلك، ونظرًا لعدم جدية الحكومات المتعاقبة في تنفيذ هذا المخطط، وفق خطط مرسومة، بقيت أملاك الناس معلقة، وفتح ذلك بابًا واسعًا لفساد الذمم والرشاوى، واستغلال النفوذ، فصارت ترفع الصبغ الزراعية أو التعليمة أو غيرها، بطرق غير مشروعة، كالتنازل عن نسبة من هذه الأملاك للموظفين وأصحاب النفوذ، تقدرُ أحيانًا بالملايين، من أجلِ رفع الصبغ الزراعية أو التعليمية أو غيرها عنهم، وبقي فقط ضعفاء الناسُ، ومَن يمنعه دينه ومروءته من أن ينتهك محارم الله بالرشى والسحت، وبذلك بقيت أملاكُهم محبوسة دونَ حق، ولا يجدون أحدًا ينصفهم.

لا شكّ أنّ أموال الناس محفوظةٌ، حرَّمَ الله تعالى التعدِّيَ عليها دونَ تراضٍ، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) [النساء:29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبِ نفسٍ منه) [سنن النسائي الكبرى:11325]، وقال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمه وماله وعرضه) [مسلم: 2564]، فلا يحل لأحد أن يتعدى على أموال الناس، أو يحول بينها وبين أصحابها دون وجه حق، فما وقع على السائل – وكذلك على غيره – مِن منعه من التصرف في ماله هذه المدة الطويلة؛ هو من الظلم البيّنِ، الذي حرمه الله تعالى على عباده، وتوعدهم عليه بالعذابِ الشديد، قال الله تعالى: )وَمَنْ يَّظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا( [الفرقان:19]، وقال سبحانه في الحديث القدسي: (يا عبادي؛ إنّي حرمتُ الظلمَ على نفسِي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تَظَالموا) [مسلم:2577]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا، طُوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين) [مسلم:1230/3].

وعليه؛ فالواجبُ على جميع من ولاهم الله تعالى أمرا في الجهات المعنية، أن يلتزموا بحكم الله ورسوله، ويتعاونوا على رفع الظلم، ومنح الإذن للناس بالتصرف في أملاكِهم، وألا يحولوا بينهم وبينها، إلى أن تتوفر لهم القدرة على دفع أثمانها لأصحابها، بما في ذلك وزارة التعليم، التي يتوقف على إذنها ـ كما جاء في السؤال – رفع الظلم عن السائل، قال الله تعالى: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( [المائدة:2]، ومن أنصفَ الناسَ فيما أُسند إليه من وظيفة، ورفَعَ الظلمَ عنهم؛ كان من المقسطين، قال صلى الله عليه وسلم: (إنّ المقسطينَ عند الله على منابرَ من نورٍ، عن يمين الرحمنِ عز وجلَّ، وكلتا يديهِ يمين؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) [مسلم: 1827]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                         مفتي عام ليبيا

21/ربيع الآخر/1437هـ

31/يناير/2016م

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق