بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5399)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
جاء في وثيقة بيع: “أنَّه حضر (ع ظ ح ح) أصالةً عن نفسه ونيابةً عن ابنيه القاصرَين: (س)، و(د) وحضر معه ابنه: (ح)، وفيها أنَّ (ع ظ ح ح) اشترى له ولأبنائه المذكورين قطعةَ أرضٍ بمنطقة ش لكلِّ واحدٍ منهم رُبعُها، وانتقلت ملكيتها إليهم، وسُجِّلت بأسمائهم بالنسبة المذكورة”، ثمّ قام الأب (ع ظ ح ح) ببناء عمارة على هذه الأرض، متكوّنة من أربع شقق، سكن في إحداها، وأَسكَن أبناءَه المذكورين في الباقي، ولم يصرِّح أنّه ملَّك الشقق لأبنائه، ولم يفعل ما يدلُّ على ذلك؛ كتسجيلها بأسمائهم، أو إشهاده على تمليكها لهم، ثم توفي، فهل تكون الأرض وما عليها من بناء ملكًا للأبناء المذكورين، دون غيرهم من الورثة، أم أنها ميراث يدخل فيه جميع الورثة؟ علمًا أنَّ الأب (ع ظ ح ح) اشترى الأرض وبناها من ماله الخاص.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ ما قام به الأبُ من شرائه قطعةَ أرضٍ لأبنائه هو من قَبِيل هبة الثمن، وهي هبةٌ صحيحةٌ نافذةٌ شرعًا، ولا تفتقر إلى أن يحوز الموهوبُ لهم الثمن، وهي هنا الأرض التي اشتُرِيت به، فقد نقل التسولي عن ابن القاسم الجزيري رحمه الله أنه قال: “وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى دَاراً مَثَلاً وَأَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِابْنِهِ، وَلمْ يَذْكُرْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الِابْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَيْضاً، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لَهُ بِمَالٍ وَهَبَهُ إِيَّاهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَحُوزَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِنَفس الشِّرَاء كَانَ مِلْكاً للِابْن فَلَمْ يَتَقَرَّرْ لِلْأَبِ عَلَيْهِ مِلْكٌ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْحَوْزِ، وَالثَّمَنُ قَدْ حِيزَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ” [البهجة في شرح التحفة: 2/401].
وأمَّا إسكانُ الأب أبناءَه المذكورين في الشققِ التي بناها على قطعةِ الأرض، فلا يُعدُّ تمليكًا لهم؛ لأنه لم يصرِّح بذلك، ولم يَجْرِ العُرفُ بأنَّ هذا التصرُّف يدلّ على تمليكها لهم، فيحمل فعله على أنه أراد التوسعة على أبنائه، مع بقاء ملكه عليها، فتكون هذه الشقق من جملة التركة، تُقسم على الورثة الموجودين يوم وفاة المورِّث حسب الفريضة الشرعية.
وعليه؛ فإنَّ الأبناء الثلاثة المذكورين، يختصُّ كلُّ واحد منهم بربع قيمة الأرض، لا يشاركه فيه غيرُه من الورثة، وتكون الشقق، وربع قيمة الأرض التي هي ملك للأب، ميراثًا لجميع ورثته الموجودين يوم وفاته.
ولمعرفة قيمة البناء تُقَوَّم الأرضُ مرتين، مرة وهي خالية، وأخرى بما عليها من البناء، والزائد من القيمتين هو قيمة البناء، فيختصُّ كلٌّ من الأبناء الثلاثة بربع قيمة الأرض خاليةً، ويشتركون مع غيرهم من الورثة في قيمة الشقق، وقيمة ما صحّ للأب من قيمة ربع الأرض، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
12 // جمادى الأولى//1445هـ
26//11//2023م