بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3513)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
عندي ستة أبناء وأربع بنات وزوجة، كلهم متزوجون إلا واحد، وكنت قد وهبت لاثنين من أبنائي (ن) و(خ) قطعة أرض مساحتها حوالي (700م2)، فاقتسماها بينهما، وبنى (خ) في نصيبه وسكن، وما زال (ن) لم يتم البناء، وهو ساكن معي الآن، وله سبعة أولاد، وقام ابني (س) ببيع سيارته، وبالكاد استطاع أن يشترى بثمنها بيتا صغيرا جدا (نصف بيت)، فقمت ببيع زيتونات، والاقتراض من جهة العمل، وتكلفت مصاريف زواجه كلها، وأما ابْنَيَّ (د) و(خ) فوهبتهما شقة أملكها في الدور الثالث والأخير من عمارة، فسكنها أحدهما، وأخذ الثاني نصيبه منها نقدا وقام بالبناء فوقها، ولم يبق لي شيء أملكه غير بيت صغير وقديم أسكنه أنا وزوجتي وابني الأصغر (عمره 25 سنة)، وكذلك ابني (ن) مع زوجته وأولاده، وبيته قارب على الانتهاء، وأريد الآن، وأنا بكامل قواي العقلية وصحة جيدة، أن أتنازل عن بيت سكناي لبناتي الأربع المتزوجات، وابني الأصغر، من باب العدل بين الأولاد، وخوفا من ضياع البنات إذا ابتلين بالطلاق، فكيف أحقق ذلك شرعا بهبة أو بيع أو وصية أو غيرها؟ علما بأني لا أستطيع الخروج من بيتي، فلا أملك غيره، وزوجتي مصابة بالزهايمر، وابني الأصغر غير متزوج، وعاطل عن العمل، ولا يملك شيئا من المال.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، فيمكنك تحقيق العدل بين أولادك بالهبة أو البيع، وذلك بأن تهب البيت لابنك الأصغر وبناتك، وتستثني سكنى جزء منه – كالغرفة – مدةَ حياتك، بشرط أن لا يزيدَ المستثنَى عن ثلثِ البيت، وتنقل ما يخصّك من ثياب وأثاثٍ إلى هذه الغرفةِ المستثناة، ويقوم الموهوب لهم بحيازة باقي البيت، وذلك بالاستقلال بالتصرف في باقي البيتِ تصرفَ المالكِ في ملكه، فإذا توفرت هذه الشروط الثلاثةُ، يصبح البيتُ كله هبةً صحيحةً لهم عندَ موتِ الواهب؛ قال أبو عبد الله التاودي رحمه الله: “مِن المعين وفي الوثائق المجموعة ما نصه: وثيقة حبس في دار واستثنى المحبس بيتاً منها يسكنه حياته، وأورد الوثيقة، ثم ذكر ما حاصله: أنه إذا حبس الدار، واستثنى سكنى بيت حياته، وقيمة البيت الثلث من الدار فأقل، ورأى الشهود الدار خالية، قد انتقل بجميع ثقله إلى البيت الذي استثنى صح الحبس كله، فإن كان المستثنى أكثر من الثلث بطل الحبس” [شرح التحفة:51]، وقال ابن عبد البر رحمه الله: “فإن سكن اليسير من الدار التي تصدق بها على ابنه الصغير، أو عمر من العقار اليسير لحاجته إلى ذلك، واستغله، فإنه لا يعد ذلك حيازة له فيما تصدق به عليه، واليسير عندهم في ذلك: الثلث فما دونه، فإذا سكن اليسير من الحبس والصدقة أو الهبة جاز فيما سكن وما لم يسكن، وإذا سكن أكثر الحبس لم يجز فيما سكن ولا فيما لم يسكن” [الكافي:531].
وأما البيع فيشترط له أن يكون حقيقيا، بثمن المثل أو قريبا منه، بحيث لا يكون فيه محاباة في الثمن أو المُثمن، ولا يصح أن يكون بثمن رمزيٍّ احتيالًا على الهبة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
محمد علي عبد القادر
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
23/جمادى الآخرة/1439هـ
11/مارس/2018م