بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4555)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تنازل والدي عن البيت القائم فيه مدة حياته لأمي وأخواتي، وبقي يسكن فيه السكن المعتاد، إلى أن مات في سنة 2003م، فما حكم هذا التنازل؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن هذا التنازل هبةٌ، ومن شرط تمام الهبة أن يحوزها الموهوب له في حياة الواهب، ويتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، قال ابن أبي زيد القيروانيّ رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ”[الرسالة:117]، وهبة الزوج دار سكناه لزوجته لا تصح، ما دام ساكنًا معها في نفس الدار؛ لأنه لا تتأتّى لها حيازتها، حيث إن سكناها فيها تبع له، فلا تعد الهبة صحيحة؛ قال الدردير رحمه الله: “(وَ) صَحَّتْ (هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا، لاَ الْعَكْسُ) وَهْوَ هِبَةُ الزَّوْجِ دَارَ سُكْنَاهُ لِزَوْجَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لِلرَّجُلِ لاَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ”[الشرح الكبير:4/106]، وأما هبته لبناته دار سكناه، فيشترط لصحتها أن يخليها من متاعه، أو يسكن أقلها، فإنْ سكن أكثرها بطل الجزء الذي سكنه، وصح ما لم يسكنه، وإن سكن جميعها بطلت الهبة، قال الدسوقي رحمه الله: “وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ سَكَنَ جَمِيعَهَا بَطَلَ الْجَمِيعُ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، وَإِنْ أَخْلَاهَا كُلَّهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ أَوْ سَكَنَ أَقَلَّهَا صَحَّ جَمِيعُهَا كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، وَإِنْ سَكَنَ الْأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَطَلَ مَا سَكَنَهُ فَقَطْ إنْ كَانَ كَبِيرًا” [حاشية الدسوقي: 4/108].
وعليه؛ فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، من بقاء المتنازِل في البيت يسكنه السكن المعتاد، فإن التنازل للزوجة والبنات باطل؛ لعدم حصول الحيازةِ منهم، ويكون البيت ميراثًا، يقسمُ على جميع الورثةِ حسب الفريضةِ الشرعيةِ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي امحمد الجمل
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
17//ذو القعدة//1442هـ
28//06//2021م