طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالهبة

هبة باطلة غير نافذة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5897)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

تنازل (ض ع ش) عن قطعة أرض مساحتها 635 مترا مربعا، مقام عليها منزل ومخزن قديم لزوجته (ل س ف)، بشرط أن تقوم بشؤونه وتعيش معه في بيت الزوجية إلى أن يتوفاه الله، وأما إن تركته وخرجت عن طوعه لأي سبب من الأسباب أو توفيت قبله؛ فليس لها ولا لورثتها الحق في المطالبة بأي شيء، وكذلك ليس لها الحق في مطالبة أبنائه بعد وفاته بأي شيء يملكه، وتعدّ هذه الأرض الموهوبة لها بشروطها المذكورة آنفًا هي حقها في ميراثها الشرعي منه مستقبلًا، وقد قبلت المتنازَل لها هذه الهبةَ بشروطها، فما حكم الشرع في هذا التنازل المشروط؟ علمًا أنّ المنزل المذكور هو محل سكنى الواهب بقي فيه إلى وفاته، ثم توفيت الزوجة بعده.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالهبة المذكورة قد اشتملت على ثلاثة أمور، كل واحد منها كافٍ في الحكم ببطلانها، وعدم نفوذها:

أولها: أنها هبة مشروطةٌ بالقيام برعاية الواهب وخدمته والعيش معه، فتكون بذلك معاوضةً مجهولةً قدرًا وصفةً؛ إذ الخدمةُ والقيامُ بالرعاية يختلف مِن وقتٍ لآخر، ومدته غير معلومة؛ لأنه مرتبطٌ بحياته، وهو شرطٌ مفسدٌ للهبة، كما اعتُبر شرطُ النفقة على البائع في البيع مفسدًا له، قَالَ التّسُولي رحمه الله: “وَالْقَوْل قَوْلهمَا إنَّهُمَا وَهَبَا لِيَقُومَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِنَفَقَتِهِمَا وَمُؤْنَتِهِمَا فَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِ (خَلِيلٍ): وَكَبَيْعِهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ” [البهجة شرح التحفة: 2/404]، وفي نوازل العلمي رحمه الله ما نصه: “الْأَمْرُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَقَعَت الْفَتْوَى بِفَسَادِ تَبَرُّعِ الْهَرِمِ وَهْوَ كَوْنُ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْخِدْمَةِ وَالْقِيَامِ بِهِ مُدَّةَ الْحَيَاةِ، إِذِ الْعِلَّةُ تَدُورُ مَعَ مَعْلُولِهَا وُجُوداً وَعَدَماً” [النوازل: 2/375].

وثانيها: اشتراط تنازل الموهوب له عن ميراثه من الواهب في صلب الوثيقة، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُون: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنْ قَطَعَ بِهَا مِيرَاثَهُ مِنْهُ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الصَّدَقَةِ، فَالصَّدَقَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِن اسْتَثْنَى ذَلِكَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ” [النوادر والزيادات: 12/219].

وآخرها: أنها هبة من الزوج دارَ سكناه لزوجته، ولم يخرج منها إلى أن توفي، فهي باطلة لعدم حوزها؛ لأنَّه لا تتأتّى للزوجة حيازتُها، حيث إن سكناها فيها تبعٌ لزوجها الواهب، قال الدردير رحمه الله: “(وَ) صَحَّتْ (هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا، لاَ الْعَكْسُ) وَهْوَ هِبَةُ الزَّوْجِ دَارَ سُكْنَاهُ لِزَوْجَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ؛ لِعَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لِلرَّجُلِ لاَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ” [الشرح الكبير:4/106].

عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فالهبة المذكورة باطلة، وترجع الأرض بما فيها من المنزل والمخزن ميراثًا يقسم على الورثة الموجودين يوم وفاة المورِّث، ومن ضمنهم زوجته، ولا يسقط حقها في الميراث بالشرطِ المذكور، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

29// جمادى الآخرة//1446هـ

31//12//2024م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق