بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2709)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا أحد أربعة إخوة أشقاء، ولنا أختٌ شقيقة، كنا نعيش مع أبوينا في بيت العائلة، حتى سنة 1970ف، وعندما تخرج أخي الأكبر، وأراد الوالد تزويجه؛ خرجنا من بيت العائلة؛ ليتزوج فيه، واستأجر أبي شقة للعائلة، واستمر أخي في الشقة مع أسرته حتى عام 1985ف، حيث باعها بمبلغ 29 ألف دينار، وزاد على ثمنها واشترى عقارًا لأسرته، وقد طالبه الوالد في حياته بثمن الشقة، ولم يوفّ به، وفي سنة 1977ف تخرجتُ من الجامعة، وكانت والدتي قد اقتسمت ميراثها من أبيها، وصحّ لها ثلاث شقق ومحل تجاري في عمارة بطرابلس، فمنحتني واحدة من الشقق في الدور الخامس، فتزوجت فيها سنةَ 1979ف، وأقمت فيها لمدة سنة، ثم تحصلت على بعثة دراسية إلى بريطانيا لتحضير الدكتوراه، فسافرت سنة 1980ف، وقمت بتأجيرها؛ خوفًا من الاستيلاء عليها في تلك الأيام، وحرصًا على الانتفاع بثمنها، واقترحت على الوالدة الانتفاع بالإيجار، فرفضتْ وأصرتْ على أن أنتفع بهذا الإيجار لمواصلة دراستي العليا، ورجعت للشقة وسكنتها سنة 1990ف، ثمّ تعرضتُ لوعكة صحية، لم أتمكن معها من البقاء في شقة الدور الخامس؛ فاستأجرت منزلًا أرضيا، واشتريت قطعة أرض، تمكنت في خلال خمس سنوات من بناء دورٍ أول بها، ونقلت والدَيَّ للعيش معي، وتكفّلت برعايتهما، حتى انتقلا إلى رحمة الله تعالى، وظلت شقتي مقفلة من عام 1990ف، حتى عام 2009ف، عندما اقترحتُ على والدتي أن أسلم الشقة لشقيقتي (د)؛ لتستفيد منها، فرحّبتْ الوالدة بذلك، ولا زالت الشقة في حوزة أختي حتى اليوم، أما أخي الثالث فقد أعطته الوالدة إحدى الشقق الثلاث عام 1982ف، وتزوج فيها، ثم أجّرها بعد سفره في بعثة دراسية؛ خوفًا عليها مِن السطو، ثم رجع بعد ذلك وسكن بها فترةً، ثم بنى بيتا لسكناه، ولا زالت الشقة في حوزته حتى الآن، وأما الابن الرابع، وهو الشقيق الأصغر، فقد أعطته والدتي الشقة الثالثة في العمارة المذكورة، وتزوج فيها عقب تخرجه من الجامعة، سنة 1987ف، ولا يزال مقيما فيها حتى الآن، أما المحل التجاري المذكور؛ فقد كان مغتصبًا بأحكامِ قانون رقم (4)، وقد تمّ استرجاعه بعد وفاة الوالدة، عن طريق القضاء، واستلمه شقيقنا الأصغر، وأبرم عقدًا بتأجيره، دون علم الورثة وموافقتهم، واختص نفسَه بالإيجار، وقال إن الوالدة قد أوصت له شفويا بالانتفاع لمدة سنة بالمحل بعد استلامِه، كيف تتم تصفية هذه التركة، وهي ثلاث شقق ومحل تجاري، لا تزال جميعها باسم الوالدة؟ وكيف يتصرف مع الابن الأكبر، الذي انتفع بالشقة التي أعطاه إياها أبونا خمس عشرة سنة، ثم باعها؟ وهل يحق لكل وارث أن يطالب الآخر بما انتفع به، من إيجار وانتفاع بحسب المذكور سابقا؟ وما حكم انفراد أحد الأبناء بإيجار المحل، بحجة أن الوالدة قد أوصت له بذلك شفويا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فما دام الأخ الأكبر قد باع الشقة بغير إذن الوالد، وطالبه الوالد بثمنها في حياته، فهو ضامن للثمن، ويجب عليه رده للورثة، ويقسم بحسب الفريضة الشرعية، وظاهر جميع التصرفات المتقدمة من الأم أنها إنما كانت ليتزوج فيها الأبناء، بدليل أن الابن استأذن أمه في التنازل عن شقته لأخته، وعدم وجود نص صريح من الأم بهبتها، فيجب عليهم ردها بعد الانتفاع بها، وإدخالها في تركة أمهم، ولا شيء عليهم بعد الخروج منها فيما انتفعوا به، أما ادعاء الأخ الأصغر أن الوالدة قد أوصت له بإيجار المحل المذكور سنة؛ فإن ذلك – وإن صحّ – لا يمضي، إلا أن يجيزها الورثة؛ فالوصية للأبناء لا تصح؛ لأنها وصيةٌ لوارث، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى لكل ذي حق حقَّه، فلا وصيةَ لوارث) [أبوداود:2870]، وزادَ الدارقطني: (إِلّا أنْ يشاءَ الورثة) [سنن الدارقطني:89]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد علي عبد القادر
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
18/صفر/1437هـ
30/نوفمبر/2015م