بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5374)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تنازل والدي قبل وفاته بسنوات لبنتيه -بعقد تنازل موثق- عن قطعة أرض مشجرة، مقام عليها استراحة بزليتن، وسلمهنَّ نسخةً من المفتاح، ويذهبنَ لزيارتها والمبيت بها في العطل أحيانًا، ووكَّلا ابنَ إحديهما بمتابعتها بالسقي والقيام بشؤونها، من وقت حياة والدِي، علمًا أني أذهب إليها أيضًا معه أحيانًا، وتنازلَ لهن أيضا -بعقد بيع- عن منزله الكائن بجنزور، والمكوّن من طابقين، وهو مقيم فيه مع باقي العائلة، وحدد فيه الثمن، ونص فيه على أنه قبضه منهن، وأقرت البنتان بأنهما لم يدفعا شيئًا في الواقع،، فما حكم هذين العقدين؟ وما نصيب كل وارث من الورثة، المحصورين في زوجةٍ وابنٍ وبنتين؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ التنازل عن الأرض المذكورة يعدّ هبة، والهبة شرطُها حصولُ الحيازة في حياةِ الواهب، وذلك بأن يتصرف الموهوب له في الهبة تصرف المالكِ، قال ابن أبي زيد القيرواني r: (وَلَا تَتِمّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ) [الرسالة:117]، والحيازة في الأرض تكون بحرثها أو زراعتها، أو نحو ذلك، عليه؛ تكونُ الهبةُ صحيحةً، بالتصرف فيها في حياةِ الواهب.
وأما بيع المالك شيئًا من أملاكه لأحد ورثته مجانًا -تحيُّلًا على إسقاط شرط الحيازة في الهبة- فهو عقدٌ باطل، ويسمَّى توليجًا، قال العدوي رحمه الله: “وَالتّوليجُ أَنْ يُريدَ المَالِكُ إِدْخَالَ شَيْئِهِ فِي مِلْكِ غَيرِهِ مَجّانًا، وَيَتَعَذّرُ ذَلكَ لِفقْدِ شَرطٍ مِنْ شُروطِ الهِبَةِ وَالصدَقَةِ وَهوَ الحَوزُ؛ بِسبَبِ كَوْنِ الدّارِ مَسكَنًا لَهُ وَيَعسُرُ عَليهِ الخُروجُ مِنهَا، أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الاتّهامِ، فَيَحتَالُ عَلَى تَصحيحِ ذَلكَ بِإِيقَاعِهِ عَلَى صُورَةِ المُعَاوَضَةِ التِي لَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ، فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَى ذَلِكَ عُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَالاطّلاعُ إِمّا بِإِقْرارٍ أَوْ بَيّنَةٍ” [حاشية المجموع: 3/390].
عليه؛ فما دام أن التوليج قد ثبت في البيع بإقرار المولج إليه -وهن البنات في هذه المسألة- بأنهن لم يدفعنَ شيئًا، ولا يمْلِكنَ ما يدفعن به القيمةَ المذكورة، فهو عقدٌ لإسقاطِ شرطِ الحيازة، مبطلٌ للبيع، ولا يفيد نقلَ الملكية إلى المشتري إنِ اطُّلع على ذلك، بل يكون بعدَ وفاة المالك ميراثًا، ويقسمُ العقارُ إذا لم يكنْ في قسمته ضررٌ على وارثٍ، كأنْ يأخذَ أحدهم جزءًا يسيرًا لا يمكنُه الانتفاعُ به، فإن لم يمكنْ أن يقسمَ على الورثة، إلا بحصولِ ضرر، فيتعينُ حينئذ البيع، متى طلبه بعضُ الورثة، ويُـجْبر عليه مَن أَباه، قال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَمَا انْقَسَمَ بِلَا َضَرَرٍ قُسِمَ مِنْ رَبْعٍ وَعَقَارٍ، وَمَا لَمْ يَنْقَسِمْ بِغَيْرِ ضَرَرٍ فَمَنْ دَعا إِلَى البَيْعِ أَجبَر عليه مَن أَبَاه” [الرسالة:136]، ويباعُ حينئذ بما لا يقلّ عن سعرِ السّوق، ويُعطَى كلُّ وارثٍ نصيبَه من ثمنه حسبَ الفريضة الشرعية، وللورثة أن يتبايَعوا فيما بينهم الحصصَ، بأن يعطوا الراغبَ في البيع قيمةَ حصته حسبَ الفريضة الشرعية، والممتنعُ عن قسمة التركة آثمٌ؛ لأنه في حكم الغاصبِ لحقوق باقي الورثة.
وقد انتهت الفريضة الشرعية فيما بقي من أملاك -عدَا ما صحَّت هبته- إلى اثنين وثلاثين سهمًا (32)، صح منها لـلزوجة أربعة أسهمٍ (4)، الثمن فرضًا، والباقي للأولاد تعصيبًا، للذكر مثل حظ الأنثيين، فيصح منها لـلابن أربعة عشر سهما (14)، ويصح منها لـكل واحدةٍ من البنتين سبعة أسهمٍ (7)، تمام القسمة، كما هو موضح بالجدول المرفق.
4
8 | 32 | ||
(8/1) | أم | 1 | 4 |
الباقي تعصيباً | ابن | 7
|
14 |
بنت | 7 | ||
بنت | 7 |
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//ربيع الآخر//1445هـ
12//11//2023م