بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1558)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
توفي والدي، وترك خمسة أولاد وبنتين، وحيث إني وكيل الآن بعد وفاة أخي الوكيل الأول، أريد أن أعطي كل ذي حق حقه، وعندي بعض الإشكالات منها أن والدي أعطى قطعة أرض لابنه الثاني بنى عليها مسكناً بقرض في حياته، ومنح قطعة أرض أخرى لابنه الأصغر وبنى عليها أيضا بقرض في حياة الوالد، فطالب الورثة بضمها إلى الميراث، فما حكم الشرع في ذلك؟ ومن الإشكالات أن الأرض حبس للذكور دون الإناث، كما أن هناك خلاف في كيفية قسمة الأرض والشجر، فكيف يقسم شرعا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
أولا:
فإن هبة الوالد لولديه بغير قصد الإضرار ببقية الورثة، وتعمد إخراجهم من الميراث، هبة صحيحة نافذة شرعا إذا تمت معها الحيازة، ففي الموطأ: “أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل ابنته عائشة عشرين وسقا بالغابة، واختصها بها دون أختيها”[الموطأ:436]، وقال ابن أبي زيد رحمه الله: “ولا تتم هبة، ولا صدقة، ولا حبس، إلا بالحيازة”[الرسالة:117]، والحيازة أن يتصرف الموهوب له فيما وُهب له تصرف الملاك في حال حياة الواهب، وعليه؛ فما أعطاه الأب في حياته لابنيه، واختصا بالتصرف فيه في حياة الأب، ورفع عنه الأب يده بالكلية، هو هبة صحيحة نافذة، ولا تدخل في الميراث، بل هي لمن وهبت لهم.
ثانيا:
والحبس على الذكور دون الإناث محل اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائز؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم” (صحيح البخاري:2587)، وفي المدونة: أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا ذكرت صدقات الناس اليوم، وإخراج الرجال بناتهم منها، تقول: ما وجدت للناس مثلا اليوم في صدقاتهم إلا كما قال الله تعالى: )وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَّكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ( (المدونة 423/4)، وقال الإمام مالك في رواية عنه: “إنه من عمل الجاهلية” (شرح الخرشي88/5)، وهو اختيار الشيخ خليل في المختصر قال: “وحرم – أي الوقف – على بنيه دون بناته”، وهو المعتمد في أكثر المذاهب.
وهذا الحبس صدرت فتوى من مفتي الديار الليبية السابق الشيخ الطاهر الزاوي- رحمه الله- سنة 1973م بتحريمه، وبموجبها صدر القانون رقم 16 لسنة 1973م بإلغائه.
عليه؛ فإن هذا الحبس لا يعمل به شرعاً ولا قانوناً، فيجب قسمة الأرض حسب الفريضة الشرعية على الورثة الأحياء وقت صدور قرار الإلغاء المذكور، ومن مات منهم بعد ذلك فلورثته.
ثالثا:
ولا يحق لأحد من الورثة الاختصاص بشيء من التركة دون غيره من الورثة إلا برضاهم، ولذلك فإن الأرض المشجرة التي تركها الوالد يجب أن تقسم على جميع ورثته، وكيفية القسمة إما أن تكون بالتهايؤ أو المراضاة أو القرعة.
فالتهايؤ: أن يستغل بعض الورثة الأرض بالسكنى أو بالإيجار فترة معينة تتناسب مع حصته من التركة، فإذا انتهت هذه المدة انتقلت العمارة أو الأرض إلى غيره من الورثة، وهكذا.
وأما قسمة المراضاة فهي: أن يتفق الورثة ويتراضوا على طريقة للتقسيم، فيأخذ كل واحد منهم قطعة من الأرض تساوي حصته أو أكثر منها أو أقل على أنها هي نصيبه من التركة، فهذه القسمة جائزة أيضاً، ولو حصل فيها غبن لبعض الورثة إن كان راضياً رشيداً بالغاً فلا مانع منها شرعاً، ولا يجوز الغبن فيها لمن لم يكن راضياً أو غير بالغ أو رشيد.
وأما قسمة القرعة: فتكون بكتابة أسماء الشّركاء في رقاع، أو كتابة أجزاء المقسوم في رقاع بعد تعديل الحصص وتقويمها ثم يقرع بينهم، وقسمة القرعة هي الأنسب في تقسيم مثل هذه التركة إذا حدث خلاف في تقسيمها بالرضا، بل يجبرون عليها إذا حصل خلاف بينهم في القسمة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
غيث محمود الفاخري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
8/محرم/1435هـ
2013/11/12م