بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4852)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
من الرحم الذين يجب على المسلم صلتُهم؟ علما أنّ العرفَ عندنا ماضٍ على أنّ حدودَ صلة الرحم تمتدُّ إلى حوالي 56 جهة قرابة، والتوسع في هذا يسبب ضررًا ومشقةً كبيرة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ صلة الرحم من الأمور التي أوجبها الله سبحانه وتعالى، ونهى عن قطعها، بل قرن الله سبحانه وتعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض، الذي هو من أكبر الكبائر، فقال سبحانه وتعالى: (فَهَلْ عَسِيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) [محمد: 22]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ) [مسلم: 2555]، وقال القاضي عياض رحمه الله: “وَلَا خِلَافَ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَقَطْعَهَا كَبِيرَةٌ” [إكمال المعلم: 8/20]، وقد اختلف أهل العلم في حدود الرحم الواجبِ صلتُها، فقيل: هي واجبة في المحارم التي لا يحلُّ نكاحها، دون غيرها من القرابات؛ فإن صلتهم مندوبة لا واجبة، وقيل: هي عامة في كل قرابة من النسب، من جهة الأب والأم، سواء كانوا محارم أم لا، قربوا أم بعدوا، وهو القول المشهور عند المالكية، واختاره النووي وابن حجر وغيرهما، قال العدوي رحمه الله: “الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ إِنَّ الرَّحِمَ كُلُّ قَرَابَةٍ وَإِنْ بَعُدَ، وَارِثاً أَمْ لَا، يَحْرُمُ نِكَاحُهُ أَوْ لَا كَمَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ، إِلَّا أَنَّهَا إِنْ كَثُرَتْ فَالْأَقْرَبُ، وَمُقَابِلُهُ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ” [حاشية العدوي على كفاية الطالب: 2/427]، ومرجعُ الأمر في حدودها وصفتها عند كثرة الأرحام إلى العُرف، فمن كان عُرْفُ الناس يقضي بصلتهم؛ وجبتْ صلتُهم على الوجه الذي تحصل به الصلة عرفًا، بالزيارة والسؤال عن الحال والنصيحة والإعانة بالجهد والمال والاتصال والمراسلة، حسب القدرة والإمكان، دون تكلفٍ ولا إثقالٍ عليهم، فهي مراتبُ أقلُّها تركُ المهاجرة ولو بالسلامِ، وتتأكد عند نزول الحاجة والمصيبة، والأصلُ الجامع فيها؛ إيصالُ ما أمكنَ مِن الخير لهم، ودفعُ ما أمكنَ من الشرِّ عنهم، والعرفُ في هذا محكَّم، فهو يختلف بين أهلِ البادية وأهلِ الحاضرة، ويختلف بين حاضرةٍ وأخرى، غيرَ أنه يُرَاعَى في صلة القرابات تفاوتُ الدرجات، فَصِلَةُ الوالدين أشدُّ في الطلب مِن صلة غيرهما، وهكذا الأدنى فالأدنى، فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: (أُمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثم أَبَاكَ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ) [أبو داود: 5139]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
30//شوال//1443هـ
31//05//2022م