هل تنقض قسمة الميراث إذا ثبت أن فيها أرضا محبسة؟
هل يمضي التحبيس على التاليف؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3849)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تمَّ تقسيم أرض جدي على الورثة، فكان في نصيب أحدهم قطعة تبين أنها حُبسٌ على (التاليف) لفقراء النعم، قد اشتراها جدي، علمًا أنه لا أحد يعلم بالحبس، حتى أتانا أصحاب الحبس بشهادة سماع، موثقةٍ من محكمة تاجوراء الشرعية – سابقًا – فيها اسم المحبِّسِ وذكر المحبَّسِ والمحبَّسِ عليهم ومن تولَّى النَّظر على الحُبس في تلك الفترة، فهل تنقض القسمة بذلك أم لا؟ وهل لمن أبى نقض القسمة كلام؛ لنصهم في القسمة على عدم الرجوع فيها؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن شهادة السماع تقبل ويعتد بها في إثبات الأحباس بشروطٍ، ذكرها الشيخ خليل رخمه الله بقوله: “وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ بِمِلْكِ حَائِزٍ، .. وَوَقْفٍ، .. إِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِلَا رِيبَةٍ وَحَلَفَ وَشَهِدَ اثْنَانِ” [مختصر خليل: 1/225]، وعليه؛ فلا يجوز شراء ما ثبت وقفه بالسماع، ويعد شراؤه باطلا؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في صدقته: (إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا)، وقول عمر رضي الله عنه بعد ذلك: (لَا يُبَاعَ أَصْلُهَا، وَلَا يُوهَبَ، وَلَا يُورَثَ) [النسائي: 6393]، بل يجب استغلاله في الغرض الذي حُبس عليه، قال سحنون رحمه الله: “بَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ خَرَاباً دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعِهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ” [شرح الخرشي: 7/95].
وعليه؛ فيجب رد هذه الأرض إلى ما وقفت عليه من التحبيس على (التاليف)، وقد كان النَّاس في أمس الحاجة إليه قديمًا؛ للفاقة الشديدة، وعدم توفر القوت في البيوت، أما الآن فقد تغير الحال، فالأنسب في هذا الزمن أن يصرف الريع لفقراء المنطقة، نقدًا أو موادّ غذائية أساسية؛ لأنه بمثابة الإطعام في (التاليف)، ولا يخرج عن قصد الواقف، ولا يصرف شيء منه على البدع والمنكرات التي تقوم بها الزوايا و(الخلاوي) مما يسمونه (مزارات) أو (حضرة) بالرقص والشطح وضرب السيوف ونحو ذلك؛ لأن هذا من الحرام المنكر.
وأما القسمة التي حصلت بين الورثة، فإن استحقاق الأرض المشتراة لثبوت حبسيتها موجب لنقض القسمة، قال التسولي رحمه الله: “وَبِالْجُمْلَةِ فَمَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ اتَّفَقَا عَلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ وُجُوباً فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَكْثَرِ أَوْ عَيْبِهِ كَالثُّلُثَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَاخْتَلَفَا فِي النِّصْفِ وَالثُّلُثِ .. وَمَالِكٌ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فِي أَنْ يَرْجِعَ شَرِيكاً أَوْ يَتَمَسَّكَ بِمَا بَقِيَ وَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَهْوَ الْمُعْتَمَدُ” [البهجة شرح التحفة: 1/265].
وعليه؛ فإن كان الجزء المستحق للحبس قدر ثلثي نصيب من وقعت له أو أكثر، فيجب نقض القسمة وإعادتها، ولا عبرة بأي شرط خالف شرع الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهْوَ بَاطِلٌ) [البخاري: 2047]، وإن كان النصف أو الثلث فهو بالخيار بين أن يبقى شريكا مع الوقف أو يتمسك بحصته، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//رجب//1440هـ
25//03//2019م