هل سكوت البنات عن نصيبهن في الميراث معتبر لو كان له مسوغ؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4952)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي جدّنا م، عن زوجته، وأولاده (ر، ح، ع، د، ط، س)، وترك أراضي بعضُها موجود فيما يعرف عندنا بالبلاد، وبعضها خارج البلاد فيما يعرف عندنا بالسند، وبعضها موجود فيما يعرف بالبرّ، وقد كان الورثة يتصرفون في الأراضي على الشيوع تصرّفًا جماعيًّا، ثم بعد أن كبرت العائلة، اقتسموا بينهم الأراضي على مراحل، فاقتسموا أولًا القطع التي في البلاد، ثم بعد فترة اقتسموا القطع التي في السند، وكانت القسمة تحصل بينهم بالتفاهم دون توثيق، لكنهم متراضون عليها، وهناك عقود أشرية لهم من بعض، وفي التسعينيات تقريبًا قسم والدُنا وهو ف وابن عمه ر لأولاد ط و س من قطع الأراضي في البلاد والسند، فأعطوهم نصيبهم فيها، ولم يعطوهم من أرض البر، واقتسمها والدنا مع ابن عمه ر بناء على نصيبهم في الميراث منها، إضافةً لوجود عقود شراء من أعمامهم، منها عقدٌ في سنة 1974، نُصّ فيه على أنّ ر و ف اشتريَا من عمهما ض كامل نصيبه في أرض البر، وهو تسعة أقرط وثلث القيراط من التجزئة المعلومة، وقد وجد في عقد الشراء أراضٍ أخرى كان نصيب ض فيها خمسة أقرط وربع القيراط من التجزئة المعلومة، فهل لورثة عمّات الوالد حقّ في أرض البرّ؟ مع العلم أن الوالد وأبناء عمومته المقتسمين معه يتصرفون فيها منذ أكثر من خمسين عامًا، بغرس الأشجار ونحو ذلك، ولم نسمع أن واحدة من العمات ولا من أبنائهن طالب بحقّ في أرض البرّ، وقد ادعى ورثة البنات أن سكوتهم عن المطالبة خلال هذه المدة؛ لم يكن لاعتقادهم أن الأرض ملك ف و ر، بل كان كسكوتهم عن بقية الأراضي التي بقيت دون قسمة، وقد أعطُوا نصيبهم منها مؤخّرا.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالتصرّف في الأرض بغرس الأشجار ونحو ذلك، مدة تزيد على أربعين سنة -في حقّ القريب- تثبت به ملكيّة المتصرِّف للأرض، إذا كان ينسبها لنفسه، ولم ينازعه أحد في مِلكه لها أثناء مدّة الحيازة، ما لم يكن المدعي ساكتا خلال هذه المدّة لعذر؛ كعدم علمه بالحيازة، أو لخوفه من الحائز لكونه صاحب شوكة مثلا، وكسكوت البنات عن مطالبة إخوتهن بالميراث خوف القطيعة، قال الحطاب رحمه الله: “وقَوْلُهُ بِلَا مَانِعٍ يَعْنِي أَنَّ سُكوتَ المُدّعِي فِي المُدَّةِ المَذْكورَةِ إِنَّمَا يُبْطِلُ حَقَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنَ الكَلامِ فَلَوْ كَانَ هُناكَ مَانِعٌ يَمنَعُهُ مِنَ الكَلامِ فَإنَّ حَقّهُ لَا يَبطُلُ… وَيدخُلُ فِي المانِعِ أَيضًا مَا إِذَا لَمْ يَعلَمِ المُدّعِي بِالحِيَازَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ العَقَارَ المَحوزَ مِلْكُه” [مواهب الجليل: 222/6]، وقال عليش رحمه الله في جواب عن بنت طالبت بنصيبها من التركة بعد وفاة أخيها بعشر سنين، وكان أخوها قد باع نخلات من تركتهما، ولم تطالب بحصتها؛ للعادة الجارية في بلادهم من عدم توريث البنات، وخشيتها نسبة الفجور إليها، وحصول العداوة مع أقاربها إذا طالبت بحقها، قال: “نَعَمْ تُجابُ لِذلِكَ، وَلَا يَمنَعُهَا مِنْهُ سُكوتُهَا المُدّةَ المَذكورَةَ لِعُذرِهَا بِمَا ذُكِرَ بِالأَوْلَى ِممّا ذَكرُوهُ مِن تَمكينِهَا مِنْ رُجوعِهَا فِيمَا وَهَبتْهُ مِنْ مَالِهَا لِأَقَارِبِهَا لِتِلْكَ الخَشْيِة، قال في ضوء الشموع في شرح شيخنا التاودي على العاصمية: إِنَّ هِباتِ البَناتِ وَالأَخَواتِ لِقَرابَتِهِنَّ مَعَ اشْتِهارِ عَدمِ تَورِيثِهنَّ بَاطِلَةٌ فَلهُنَّ الرّجوعُ فِي حَياتِهنَّ وَلورَثَتهِنَّ القِيامُ مِن بَعْدِهِنَّ لأنّهنَّ لَوِ امْتَنعْنَ مِن الهِباتِ لَأوْجَبَ ذَلِكَ إِسَاءَتَهُنَّ وَقَطْعَهُنَّ وَالغَضبَ عَلَيْهِنَّ” [فتح العلي المالك: 96/2].
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فإن حقّ ورثة البنات ثابت في أرض البر؛ لأن سكوت البنات عن نصيبهن في الميراث غير معتبر؛ للعادة الجارية -في الغالب- بعدم مطالبتهنّ للإخوة في الميراث وبخاصة في الأراضي، وسكوتُ ورثتهن من بعدهن طول هذه المدة، لم يكن؛ لأنّهم عالمون بأن ف و ر يتصرفون في الأرض بنية اختصاصهم بها، بل ظنوا أن أرض البر كبعض الأراضي الأخرى التي بقيت دون قسمة، وأُعطوا نصيبهم منها مؤخَّرا، وهو عذرٌ يمنع الأخذ بالحيازة، وما دام أنه لم توجد بينة تدلُّ على خروجهم من أرض البرّ ببيع أو تنازل عن نصيبهم، فالأصل بقاؤهم وارثين فيها حتى يأتي واضع اليد ببيّنة، وما ذكر في السؤال من أن ف و ر اشتريَا من عمهما ض كامل نصيبه، وكان أكثر من نصيبه المباع في أماكن أخرى، لا يدلّ بمجرده على أن البنات أُعطوا نصيبهم وقاموا ببيعه لأخيهم، بل ربما يدل على العكس وهو أن ض ما تحصل على كل هذه القراريط إلا لأنه حرم البنات، وهذا الحكم الذي جاء في الفتوى بإبقاء البنات على حقهن هو بناء على الغالب في ما كان عليه الناس من حرمان المرأة حقها أو بعض حقها في ميراثها من الأراضي وتسكت حياء من إخوتها، هذا الحكم بالغالب جرّ إليه عدم وجود البيّنات من الطرفين، ولو أراد الطرفان التصالح في هذه الحالة والتراضي إبراء للذمة فهو خير لهما وأولى، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03//صفر//1444هـ
30//08//2022م