هل قسمة المراضاة لازمة ماضية؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3787)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حصلت مقاسمة أرض بيني وبين إخوتي سنة 1995م، وأخذ أخي الأكبر زيادة عن الآخرين؛ لِما ادّعى مِن صرف أموالٍ على علاج أبي، فتم قَبول قولِه وتحريُر ورقة بالمقاسمة، ومنذ ذلك الوقت وأنا غير راضٍ، وتم إعلامُ أخي بذلك بعد أكثر مِن عام على المقاسمةِ، سنة 2000م، وبعد منازعات توافقَ الذكورُ على ترضيتي بأرضٍ، ولم توافق الإناث عندما اطلعوا على ذلك، فتم إلغاء هذه الترضية، وتوقيعُ محضر اتِّفاق ُنصَّ فيه على أنّ المشاكلَ والخصوماتِ منتهيةٌ بين الأطراف، فهل لي الحق في القيام بالغبن؛ لأنني أشعر بالظلم، وعدم عدل القسمة؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإذا كان الواقع كما ذكر في السؤال، فإنّ القسمة التي تراضيتم عليها ماضيةٌ، لازمةٌ، لا يحقُّ لأحد الرجوع عنها، ولو حصل بها غبنٌ، ما دام الجميع قد رضُوا بها، وكانوا بالغين راشدين، ومضت على القسمةِ مدَّةٌ طويلةٌ، سنةً فأكثر؛ لأنها من العقود اللازمة، قال ابن رشد رحمه الله: “الْقِسْمَةُ مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، فَإِذَا وَقَعَتْ… بِوَجْهٍ صَحِيحٍ جَائِزٍ لَزِمَتْ” [المقدمات الممهدات: 3/104]، وقال الباجي رحمه الله: “وَأَمَّا قِسْمَةُ المْرَاضَاةِ بِغَيرِ تَقْوِيمٍ وَلاَ تَعْدِيلٍ، فَهْوَ أَنْ يَتَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَى أَن يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا عُيِّنَ لَهُ، وَيَتَرَاضَوْا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ وَلاَ تَعْدِيلٍ، فَهَذِهِ الْقِسْمَةُ تَجُوزُ فِي المُخْتَلِفِ مِنَ الْأَجْنَاسِ، وَلاَ قِيَامَ فِيهَا لمِغْبُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَا صَارَ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى قِيمَةٍ مُقَدَّرَةٍ وَلاَ ذَرْعٍ مُقَدَّرٍ، وَلاَ عَلَى أَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ لَهُ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ حَقِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا الضَّرْبُ أَقْرَبُ إِلَى أَنَّهُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ” [المنتقى: 5/391]، لاَسِيَّمَا وَقَدْ حَضَرْتُم الْقِسْمَةَ وَسَكَتُّم وَلَمْ تَعْتَرِضُوا، بل ولو لم تحضروا وسمعتم بها وسكتُّم لزمتْكم القسمةُ، قال ابن سلمون رحمه الله: “وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّرَكَاءُ عَلَى الْقَسْمِ وَقَعَدَ أَحَدُهُمْ، وَقَسَمَ الْبَاقُونَ، وَعَرَفَ قِسْمَتَهُ وَمَوْضِعَهُ فَمَكَثَ وَلَمْ يُغَيِّرْ بِقُرْبِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَسْمُ، وَمَضَى عَلَيْهِ” [حلى المعاصم لبت فكر ابن عاصم: 1/386].
عليه؛ فالقسمة المذكورة لازمةٌ لكلِّ المقتسمين، لا يجوز نقضُها بعد هذه المدة الطويلة، والتصرف الكامل في الحصصِ من المقتسمين، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
05//جمادى الآخرة//1440هـ
10//02//2019م