بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4502)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي الأب والأم معًا، وانتقلت حضانة الأطفال إلى جدتهم لأمهم، فلمَن الوصاية عليهم؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالوصاية هي وكالة عن الأب أو القاضي، في النظر في أموال اليتامى والمحجور عليهم بالمصلحة، وتنميتها لهم حتى يبلغوا راشدين، قادرين على التصرف، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: 5-6]، وهي حقّ للأب أو مَن أوصاه الأب، وعند عدم وجود الأب أو وصيه، فللقاضي النظر بتقديم مَن يتولى شؤون اليتامى، وينظر في أحوالهم، قال عليش رحمه الله: “[قَالَ] ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِيصَاءُ إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِمَحْجُورٍ اخْتَصَّ بِالْأَبِ الرَّشِيدِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ. فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا: صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْأَبِ إلَى غَيْرِهِ بِصِغَارِ بَنِيهِ وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى لِغَيْرِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَكَانَ وَصِيُّ الْوَصِيِّ مِثْلَ الْوَصِيِّ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مُقَدَّمِ الْقَاضِي. وَقِيلَ مِثْلُهُ، وَهُوَ قَوْلُهَا فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطِّفْلِ وَصِيٌّ فَأَقَامَ لَهُ الْقَاضِي خَلِيفَةً كَانَ كَالْوَصِيِّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْجَدِّ بِوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَا الْأَخِ بِأَخِيهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ” [منح الجليل على مختصر خليل: 9/579]، ويجوز للجد أو الأخ أو العم أن ينظر لليتامى ما يصلح حالهم ويحفظ أموالهم، إن لم يوجد من القضاة من يتولى الإيصاءَ عليهم بالعدل، قال الدردير رحمه الله: “وَبَقِيَ هُنَا مَسْأَلَةٌ ضَرُورِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ عَنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَلَمْ يُوصِ عَلَيْهِمْ فَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِهِمْ عَمُّهُمْ أَوْ أَخُوهُمْ الْكَبِيرُ أَوْ جَدُّهُمْ بِالْمَصْلَحَةِ فَهَلْ هَذَا التَّصَرُّفُ مَاضٍ أَوْ لَا وَلِلصِّغَارِ إذَا رَشَدُوا إبْطَالُهُ؟ ذَكَرَ أَشْيَاخُنَا أَنَّهُ مَاضٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ منْ ذُكِرَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي عَظُمَ فِيهَا جَوْرُ الْحُكَّامِ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ لَهُمْ حَالُ الصِّغَارِ لَاسْتَأْصَلُوا مَالَ الْأَيْتَامِ” [الشرح الكبير على مختصر خليل: 4/452].
وعليه فالجدة في هذه الحالة حاضنة وليست وصية، إلا إذا قدمها القاضي وأعطاها الحق في الإيصاء، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//رمضان//1442هـ
10//05//2021م