هل مطالبة زوجة المقتول بالقصاص تبطل الصلح مع القاتل والعفو من قبل والد المقتول؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
رقم الفتوى (5314)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
قُتل رجلٌ عمدا بسبب إطلاق رصاص، فصالح أبوه القاتل مقابل الدية كاملة، واعترضت الزوجة وطالبت بالقصاص، علما بأن للمقتول أولادا قصر فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإذا ثبت القتلُ على القاتل، وكان عمدًا عدوانًا، فأولياء القتيل بالخيار بين القودِ أو العفوِ، إمّا مجانًا أو في مقابل دية، وقد اتّفق الفقهاء على جواز الصلح بين القاتل وأولياء الدم على إسقاط القصاص، مقابل بدلٍ يدفعه القاتل للولي مِن ماله، سواء كان المال قليلا أو كثيرًا، معجلًا أو مؤجلًا، من جنس الدية أو من غير جنسها؛ لأنّ جناية العمد على النفس ليس فيها دية مقدرة يتعين دفعها، وإنما يخير المستَحق لها بين القصاص أو العفو مجانًا أو العفو مقابل الدية، ويدل لذلك ما جاء في الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في فتح مكة: (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَين، إِمَّا أَنْ يُفْدِى، وَإمَّا أَنْ يُقِيدَ) [البخاري:2703]، وقال الدردير رحمه الله: “وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَعْفُوَ مَجَّانًا، أَوْ يَقْتَصَّ، وَجَازَ العَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا، بِرِضَا الْجَانِي” [الشرح الكبير: 4/239]، لكن ليس للوليّ على القصَّرِ العفوُ مجانًا أو بأقلّ مِن الديةِ، إلّا لمصلحةٍ لهم؛ كعسرِهم أو عسرِ الجاني، قال الزرقاني رحمه الله: “(وَلاَ يَعْفُو) الْوَلِيُّ مَجّانًا أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنَ الدِّيَةِ إِلاَّ لِعُسْرِهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِرَاحِ أَيْ عُسْرِ الْجَانِي وَيَحْتَمِلُ عُسْرَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ” [شرح المختصر: 5/538].
والحق في الصلح يكون للذكر البالغ من أولياء الدم، قال الدردير رحمه الله:”(وَالاسْتِيفَاءُ) فِي النَّفْسِ (لِلْعَاصِبِ) الذَّكَرِ فَلَا دَخْلَ فِيهِ لِزَوْج وَلَا لِأَخٍ لِأُمٍّ، أَوْ جَدٍّ لَهَا وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ [فَأَبٌ] (كَالوَلاَءِ) يُقَدَّمُ الأَقْرَبُ، فَالْأَقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَةِ فِي إِرْثِهِ إِلاَّ الجَدّ، وَالْإِخْوَةَ فَسِيّانِ هُنَا فِي القَتْلِ، وَالعَفْوِ” [الشرح الكبير: 4/256]، وأما الابن القاصر فلا ينتظر بلوغه، قال الدسوقي رحمه الله: “(وَلاَ صَغِيرٍ) أَيْ وَلاَ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ عَاصِبٍ صَغِيرٍ وَاحِدٍ، أَوْ مُتَعَدّدِ (قوله: لَمْ يَتَوَقّفِ الثُّبُوتُ) أَيْ ثُبُوتُ القَتْلِ عَلَيْهِ بِحَلِفِ أَيْمَانِ القَسَامَةِ (قوله وَلَوْ أَبْعَدَ) أَي هَذَا إِذَا كَانُوا مُسَاوِينَ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ بَلْ، وَإِنْ كَانُوا أَبْعَدَ مِنْهُ فِي الدَّرَجَة ِ[الشرح الكبير: 4/257]، ويثبت لأبناء المقتول نصيبهم من الدية إن وقع الصلح، قال الدردير رحمه الله: “(وَلِلصَّغِيرِ إِنْ عُفِي) بِالبِنَاءِ للمَفْعُولِ أَي إِنْ حَصَلَ عَفْوٌ مِن كَبِيرٍ وَسَقَط القَتْلُ، (نَصِيبُهُ مِنَ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَّةِ عَمْدٍ وَلاَ يَسْرِي عَفْوُ الْكَبِيرِ عَلَيْهِ فِي إِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْهَا” [الشرح الكبير: 4/258].
عليه؛ فإن كان الحال ما ذكر، فلا حق للزوجة في الاعتراض عن الصلح والمطالبة بالقصاص، ما دام أن ولي المقتول، وهو الأب، قد عفا عن القاتل، ورضي بالدية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03//ربيع الأول//1445هـ
18//09//2023م