بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5427)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أملكُ مدرسةً خاصةً، تُدفَع فيها الرسومُ الدراسية كلَّ فصل، فهل من حق الطالب استردادُ الرسوم الدراسية إذا انسحب قبل انتهاء الفصل الدراسي، وكذلك أجرة الاشتراك الشهري لنقل الطالبِ المنسحب بحافلات المدرسة؟ علما أنني سأتضرر من الانسحاب؛ لأن شغلَه للمقعد الدراسي فوَّتَ عليَّ قَبول غيره، كما أنني أعطي دروسًا خصوصيةً بنظام الشهر، فهل من حق الطالب -إذا حضر الأستاذُ وغاب هو عن الدرس- استرجاعُ الأجرة الشهرية التي دفعها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن عقد الأجرة على الدراسة والتعليم أو النقل، إما أن يكونَ على مدة معلومة محددة كشهر أو سنة أو فصل دراسي، وهو ما يُطلِق عليه الفقهاء مصطلح الوجيبة، أو يكونَ غير محدد المدة، بل كل يوم أو شهر له أجرته، ويسمى مشاهرة أو مسانهة.
فإنْ كان العقدُ محددَ المدة -وهو الوجيبة- فهو لازمٌ للمتعاقدين مدة التعاقد، فلا يجوز للمستأجِر التركُ قبل انتهاء المدة، ولو ترك فيلزمه دفع الأجرة كاملة، فإن وقع الخلل من المؤجر، ولم يوف بما التزم، فيجب عليه أن يردّ إلى المستأجر ما أخذه من الأجرة.
وإن كانت على أنَّ لكل يوم أو شهر أجرتَه، فلا يلزم عقد الإجارة إلا بدفع الأجرة، فتلزم المدة التي دُفِع أجرها فقط، قال أبو الحسن القابسي رحمه الله: “وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رحمه الله: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يَقُولُ: قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ عُلَمَائِنَا بِالْمَدِينَةِ: لاَ بَأْسَ بِأَخْذِ الْأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ الْكِتَابَةَ وَالْقُرْآنَ، وَالاشْتِرَاطِ عَلَى ذَلِكَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِأَبِي الْغُلَامِ أَنْ يُخْرِجَهُ [أي من المكتب أو المدرسة ونحوها] حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الشَّرْطَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ مُسَمًّى، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ، وَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا عَلَّمَهُ… وَإِنَّمَا مُنِعَ أَبُو الصَّبِيِّ مِنْ إِخْرَاجِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إِذَا كَانَت الإِجَارَةُ فِيهِ أَجَلاً مَعْلُومًا، بِشَرْطِ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطُ أَجَلٍ مُسَمًّى، لَمْ يَكُنْ لإِخْرَاجِ الصَّبِيِّ مَانِعٌ” [الرسالة المفصِّلَةُ لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين: 160-161]، وقال ابن رشد رحمه الله: “وَأَمَّا الْوَجِيبَةُ وَالْمُقَاطَعَةُ فَلَازِمَتَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُخْرِجَ ابْنَهُ قَبْلَ انقِضَاءِ الْوَجِيبَةِ، أَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْمُقَاطَعَةِ، إِلاَّ أَنْ يُؤَدِّي إِلَيْهِ جَمِيعَ اْلأَجْرِ” [البيان والتحصيل: 8/ 454].
عليه؛ فليس من حقِّ الطالبِ استردادُ الأجرة التي دفعها مقابل الفصل الدراسي إذا انسحبَ قبل نهايته؛ لأن المدة فيه محددةٌ بالفصل، وفيما يتعلق بالنقل، إن كان التعاقد عليه مشاهرة، كلُّ شهر بكذا، فيستحق مالك المدرسة أجرة النقل عن الشهر الذي انسحب فيه الطالب فقط لا ما بعده؛ بخلاف ما إذا كان التعاقد على النقل مشمولًا ضمن الرسوم المدرسية على السنة كلِّها، فالطالب ملزم بدفع الأجرة مدة التعاقد كلّها.
وفيما يتعلق بالدروس الخصوصية فإذا كان التعاقد عليها شهريا، فليس للطالب الانسحاب ولا رد الأجرة عن الأيام التي يغيبها، ما دام المدرس وفر نفسه للعمل في ذلك الشهر، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عصام بن علي الخمري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06//جمادى الآخرة//1445هـ
19//12//2023م