طلب فتوى
البيعالتبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالوقف

هل يجوز بيع وقف على أبناء الابن وعقبهم وقسمته؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4387)

 

            ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقةٍ ما نصه: (أوصى الحاج م أنه إذا أتاه أجله المحتوم وتوفاه الحي القيوم فقد أوصى بثلث مخلفاته مما له بال ويطلق عليه اسم مال قليل الأشياء وكثيرها لأبناء ابنيه وهما هـ و ج إن قدر الله بذلك الذكور دون الإناث طبقة بعد طبقة حتى يرث الله الأرض ومن عليها قاصدا بذلك وجه الله العظيم فمن بدل فالله حسبه والمجازي له ثم ذكر الشهود ومنهم الشيخ س، مؤرخة: بخمسة وأربعين بعد الثلاثمائة وألف، ويتلوها: حضر هـ و ج أبناء الحاج م المذكور وأشهدا أنهما قبلا لأبنائهما ما أوصى به الحاج م الموجودين الآن ولمن سيوجد ثم ذكر الشهود)، وقد خلف هـ المذكور ثلاثةً من الذكور، ومثله أخوه ج، ثم توفي أبناء هـ  كلهم وأحد أبناء ج، والآن تقسم الغلة بين ثمانية عشر شخصًا من أحفاد الموصي وأولاد أحفاده، السؤال: ما حكم تقاسم الثلث بين الأحفاد الذكور لغرض البيع والبناء والتأجير، حيث لم يعد هناك جدوى من استصلاح الثلث المعني وتقاسم عوائده، فقد تزايد عدد الورثة وأصبح العائد لكل فردٍ لا يعني شيئًا؟ علما بأن أحد الموصى لهم بحاجة لعمليات طبية مكلفة، واثنان منهم مقبلان على الزواج، وهم بحاجة للمال.

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن كان الحال كما ذكر، فلا يجوز بيع الثلث الموصى به أو قسمته بين الموجودين، على المشهور المفتى به، ما دام أن الموصي لم ينصّ على ذلك في وصيته، ولم يجر عرف بها زمن الإيصاءِ، ولمخالفتها ما نص عليه الموصي، بقوله: (طبقة بعد طبقة)؛ لتعلق حق من لم يأت من العقب بالغلة؛ ففي البيع تضييع لحقهم، والواجب قسمة غلة الثلث بين المستحقين أو تقاسم الانتفاع بها بأنفسهم أو بالكراء، وإن كان بعض المستحقين أشد حاجةً وفقرًا من بعض، فيقدم على غيره بزيادة في حصته، بما يرفع عنه حاجته؛ كالحاجة للعلاج أو الزواج؛ أما البيع الذي لم يأذن به الموصي فلا يجوز؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ [البقرة: 181]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه: (حَبِّسِ الْأَصْلَ، وَسَبّلِ الثَّمَرَةِ) [النسائي: 3604]، قال ابن راشد القفصي رحمه الله: “وَإِذَا كَانَ الْحُبُسُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ” [لباب اللباب: 296]، قال الحطاب رحمه الله: “(مَسْأَلَةٌ) مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ سَأَلَهُ عَنْهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ عَقْدٌ تَضَمَّنَ تَحْبِيسَ فُلَانٍ عَلَى ابْنَيْهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لِجَمِيعِ الرَّحَا الْكِرَاءُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَلِاعْتِدَالِ حَبْسِهَا عَلَيْهِمَا وَعَلَى عَقِبِهِمَا حَبْسًا مُؤَبَّدًا .. فَكَيْفَ تَرَى قِسْمَةَ هَذَا الْحَبْسِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَعْقَابِ؟ فَأَجَابَ: الْوَاجِبُ فِي هَذَا الْحَبْسِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْت أَنْ يُقْسَمَ عَلَى أَوْلَادِ الْعَقِبَيْنِ ‌جَمِيعًا ‌عَلَى ‌عَدَدِهِمْ .. بِالسَّوَاءِ إنْ اسْتَوَتْ حَاجَتُهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فُضِّلَ ذُو الْحَاجَةِ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُ بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ عَلَى قَدْرِ قِلَّةِ الْعِيَالِ أَوْ كَثْرَتِهِمْ” [مواهب الجليل: 6/48]، فإن خُشِي على الوقف التعطيل والضياع والخراب وانصراف الموقوف عليهم عنه لقلة نفعه، فيجوز بيع بعضه لا لقسمة ثمنه بل لإصلاح الجزء الآخر، كالبناء عليه ونحوه، بحيث تصير له غلة تُرَغِّبُ الموصى لهم في الاعتناء به وتعاهده، فقد ذكر أهل العلم أن الوقف إذا خرب ولم يمكن إصلاحه إلا ببيع بعضه فيجوز بيع البعض، لإصلاح الباقي، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن بن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

03//رجب//1442هـ

15//02//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق