بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4768)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
مسجدنا عتيق جدًّا ومتهالكٌ، يحتاج إلى إعادة بناء، ومساحته بمرافقه 219 مترًا، وقد اقترح بعض الأهالي بناء المسجد في مكان واسعٍ، فتبرع أحد الحاضرين بقطعة أرض مساحتها 1000 متر تقريبًا، وتعهد ببناء المسجد أيضًا، لكن يفصل بين المسجد العتيق وقطعة الأرض منزلان، ولم يرضَ أصحابهما بالمناقلة، فهل يجوز أن يُبنى المسجد في الأرض الواسعة، ويُجعل مكان المسجد القديم مركزٌ للتحفيظ، حتى لا تتعطل مصلحة الوقف؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالمسجد القائم حبّس على أن يكون مسجدا، والواجب اتباع قول الواقف وشرطه، ما لم يخالفِ الشرع؛ لأن شرط الواقف كنص الشارع، قال الخرشي رحمه الله: “يَعني أنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ شُرُوطًا فَإِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا حَسَبَ الْإِمْكَانِ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الشُّرُوطُ جَائِزَةً؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِ كَأَلْفَاظِ الشَّارِعِ فِي وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ” [شرح الخرشي: 7/92]، فلا يجوز التبديل والتغيير فيما أوصى به المحبس؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَنۢ بَدَّلَهُ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 181]، فالمسجد القائم إذا كان لا يضيق بالمصلّين في صلوات الجماعة فلا يجوز الانتقال عنه ببناء مسجد آخر ولو كان يضيق بهم في صلاة الجمعة وحدها؛ لأن الجمعة تصح في الطرقات المتصلة به، وإن امتدت، ودعوى أن بناء مسجد آخر يحقّق المصلحة لا تبيح تغيير المسجد القديم إلى مركز تحفيظ؛ لأن تغيير الحبس عما حبس عليه بدعوى المصلحة لا يجوز إن لم تكن هناك ضرورة ضاق بها المسجد على المصلين على نحو ما ذكر.
وعليه؛ فينبغي إعادة بناء المسجد القديم المتهالك ولو من طابقين إذا كان الدور الواحد لا يتسع للمصلين، والاكتفاءُ بذلك دون نقله إلى مكان آخر، وهناك وجوه أخرى لصرف المال على المسلمين في داخل البلاد وخارجها -أجرها عظيم-هي أولى من إنفاقه في بناء مسجد غير محتاج إليه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14//جمادى الآخرة//1443هـ
17//01//2022م