هل يجوز سحب الدولار ببطاقة الأغراض الشخصية بخدمة الشراء (نقاط البيع) في تركيا؟
معاملة سحب عملة تشوبها عدة محذوراتٍ شرعيةٍ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4682)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
هل يجوز سحب الدولار ببطاقة الأغراض الشخصية بخدمة الشراء (نقاط البيع) في تركيا، حيث إن آلات السحب الذاتي المخصصة لهذه البطاقة تحصل بها بعض الأعطال أحيانًا، فتحجز البطاقة، ولا يمكن استخراجها من الآلة؛ مما يضطرني لاستخراج بطاقة جديدة برسوم جديدة؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّه كما هو واضح من السؤال أن السبب الذي دعا السائل إلى هذه المعاملة هو المخالفة للإجراءات المعتادة التي أخرجت لها البطاقة، وهو سحبها من آلات مخصصة لذلك بسبب وجود عراقيل تمنع أحياناً من سحب الدولار من الآلة، وذلك بعد أن تجشّم صاحب البطاقة أعباء السفر إلى تلك الآلة في البلاد الأخرى، وما تكلّفه من مصاريف كان في غنًى عنها لو أنّ المصارف في بلادنا أرادت الرفق بالمواطنين، فحولت لهم هذه المخصصات الأجنبية في حسابهم داخل بلادهم، فلو كان الأمر كذلك لكانت المعاملة جائزة، ولا تشوبها شبهة من رباً أو أكل أموال أصحاب البطاقات بالباطل في داخل البلاد وخارجها، ولذلك فإن دار الإفتاء لم ترض عن الطريقة التي يمكّن بها المواطنون من العملة الأجنبية عن طريق استخراج هذه البطاقات، واعترضت عليها منذ إصدارها؛ لتسلم المعاملة من المحاذير التي ذكرت.
أَمَا وقد لم يلتفت إلى توصيات دار الإفتاء بالخصوص، وركب الناس في استخراج بطاقاتهم الصعبَ والذَّلول، فإنّ هذه المعاملة عبر هذه الأجهزة، تشوبها عدة محذوراتٍ شرعيةٍ، وهي:
1ـ أن هذه الأجهزة هي في حقيقتها نقاطُ بيع [point of sale]، وسحبُ العملات النقدية عن طريقها مخالفٌ للعقدِ المبرمِ بين ممارسي النشاطاتِ التجارية وبين المصرف، وادعاءُ البعض أنّ المصرفَ على درايةٍ بهذه النشاطات – إنْ صحّ هذا الادعاء – لا حجةَ فيه، وذلك لوجودِ طرفٍ ثالثٍ يمنعُ هذه المعاملة، وهو مصدرُ البطاقاتِ الائتمانية، كـ (الفيزا والماستر وغيرها)، والعقدُ شريعة المتعاقدين، ما لم يخالفِ الشرع؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة:1]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) [أبوداود: 3594]، قال القَاسِمُ بنُ مُحمدٍ: “مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أُعْطُوا”[الموطأ: 1447].
2ـ تمرير البطاقةِ على هذه الآلة إيهامٌ بأنّ ثمتَ عملية شراءٍ قد حصلتْ، وهذا احتيالٌ وغشّ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (من غشَّنا فليسَ منَّا، والمَكرُ والخداعُ في النَّارِ) [ابن حبان:5559]، وفي الحديث: (أَهلُ النّارِ خَمسَة، وذكر منهم: وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِى إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ) [مسلم: 2865].
3ـ يلزم مِن هذه المعاملة المشبوهة -في بعض صورها- إقراضٌ لصاحبِ البطاقة، إن كاَن المبلغ كبيرًا؛ نظرًا لوجود سقفٍ محددٍ للشراءِ لا يمكنُ تجاوزه، فإن الزائد على السقف المحدّد من النقد الأجنبي سيدفعه التاجر من عنده معجّلا، على أن يتقاضاه فيما بعد من البطاقة، وهو أي التاجر يأخذ على هذه المعاملة نسبة مئوية زائدة على أصل الدين وهذه الزيادة تعدّ سلفا، وكلّ سلف جر نفعا فهو ربا.
عليه؛ فإن هذه المعاملة محرمةٌ شرعًا؛ لما اشتملت عليه من المحظورات؛ ومنها الغشِّ، والتعاونِ على الإثمِ والعدوان، وأكل الربا وأكل أموال الناس بالباطل من قبل المصارف في داخل البلاد وخارجها، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
17//ربيع الأول//1443هـ
24//10//2021م