بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5123)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أجرتُ مخزنًا لشخصٍ جعل فيه كتبًا كثيرةً، وانقطعَ عن دفع الإيجار منذ: 2022/01/01م، حتى وصل الدين إلى 4000 دينار، وطلبتُ منه مراتٍ عديدة دفع الأجرة دون جدوى، ثم تعهد عند محرر عقود؛ أنه سيخلِي المخزنَ من بقية كتبه في موعدٍ أقصاه: 2022/12/20م، وبعد هذا الأجل لصاحبِ العقارِ الحقُّ في وضعها في الشارع، كما هو مذكور في الوثيقة المرفقة، وبعد حلول الموعدِ قمتُ ببيعِ الكتب التي في المخزن للفرّامةِ، بتسعة آلاف دينار تقريبًا، أخذتُ منها 4000 آلاف قيمة الإيجارِ، وأعطيت الباقي للمستأجر، فما حكم المبلغ الذي أخذتُه من بيع الكتب؟ علما أنه تمَّ بسعرٍ أقل من قيمتها الحقيقية.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمَن كان له دينٌ على آخر، وامتنع المدين عن دفعه مع مطالبته أكثر مِن مرة، جازَ للدائن إذا ظفرَ بشيء من مالِ المدين أن يقتضي منه حقّه بنفسِه، سواء كان ما تحصلَ عليه من جنسِ حقّه، أو من غير جنسهِ، وباعه ليقتضي بثمنه حقّه، لكن بشرِط أن يأمنَ على نفسه من النسبة للرذيلةِ، ومن حصول فتنةٍ، كإراقة دماءٍ ونحو ذلك، قال الخرشي رحمه الله: “وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَقَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ أَخْذِ مَا يُسَاوِي قَدْرَهُ مِنْ مَالِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ شَيْئِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ. وَجَوَازُ الْأَخْذِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ حَقُّهُ عُقُوبَةً، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ…وَالثَّانِي أَنْ يَأْمَنَ الْفِتْنَةَ بِسَبَبِ أَخْذِ حَقِّهِ؛ كَقِتَالٍ أَوْ إرَاقَةِ دَمٍ، وَأَنْ يَأْمَنَ مِنْ الرَّذِيلَةِ أَيْ أَنْ يَنْسُبَ إلَيْهَا؛ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ” [شرح الخرشي: 235/7].
عليه؛ فإن كان الحالُ كما ذكر، فلا حرجَ على المالك فيما قام به، مِن بيع بضاعةِ المستأجِر ليستوفي منها حقّه، ولو باعها بأقل من قيمتها الحقيقية؛ لمماطلةِ المستأجر له، وتضرّره من بقاء البضاعةِ في مخزنه، وقد أعطى المستأجِرُ الحقَّ في رميها بالشارع إذا لم يخرجها في الأجل المحدّد، فحصوله على مالٍ قليلٍ عوضًا عنه خيرٌ من لا شيء، وكان على المالك إبراءً للذمّة أن يتقدم إلى المستأجر بإبلاغه وتحذيره، إن لم يأت وينقلْ متاعه فإنه سيتصرف فيه بالبيع، فذلك يسقط عنه كلّ عذرٍ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06//شعبان//1444هـ
26//02//2023م