بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4943)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
بقيت أنا وإخوتي الثلاثة وأخواتي الأربع الأشقاء مع أمي في بيت الوالد، بعد أن طلقها، ثم تزوج امرأة أخرى، وسكن معها في بيت آخر يملكه، وأنجب منها ابنين وبنتين، وفي عام 2005م توفيت أمي، فتنازل أبي عن البيت الذي كانت تسكنه لأربعة من أولاده منها، ابنين وبنتين، ووثقه في محرر عقود، فسكنه ابنان وبنت، ثم أجروه، وقبض الأربعة الإيجار، وبعد وفاة الوالد قررنا بيع البيت، فاتضح أن هناك طلب تسجيل للبيت باسم أمي قبل ثلاثين سنة، لكن لم يشرع في تحقيق ملكية العقار، فأوصى محرر العقود أن نكمل إجراءات البيع باسم الوالدة، وبالطلب المقدم من قبلها، لا بالتنازل من الوالد، تسهيلا للإجراءات القانونية، وتسهيلا على المشتري، وتأسيسًا على ذلك تمت عملية البيع، من خلال تنازل جميع ورثة الوالدة، وهم أبناؤها، فهل يقسم ثمن البيت على جميع الورثة، أم على الأربعة الذين تنازل لهم الوالد فقط؟ كما أن أبي تنازل لإخوتي الأربعة الآخرين عن قطعة أرض، كان وهبها لأخي الأكبر سنة 1978م، وسجلها باسمه، فانتفع بها أخي بالإيجار والبناء، لكن كان تنازلًا شفهيا، ولم يبلِّغ به أخي الأكبر، وإنما أرسل إليه اثنين من إخوتي لإبلاغه، فباع أخي الأرض، وأبلغ والدي بالبيع، وسلّمه جزءًا من الثمن حسب قوله، ولم يعترض والدي، فهل يحق للمتنازل لهم مطالبته بقيمة الأرض أو ثمنها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمن شرط تمام الهبةِ أن يحوزَها الموهوبُ له في حياةِ الواهبِ، ويتصرف فيها تصرفَ المالك في ملكهِ، قال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَلاَ تَتِمُّ هِبَةٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلاَ حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَن تُحَازَ فَهْيَ مِيرَاثٌ”[الرسالة: 117]. وما دام البيت الموهوب للأولاد قد حازوه وقبضوا إيجاره فالهبة صحيحة، وثمن البيع إذا باعوه يختصون به دون باقي الورثة، أما التحايل الذي أتممتم به البيع على اعتبار أن البيت للأم فهذا غير صحيح؛ لأن الأم بدأت في إجراءات التملك ولم يتم لها ذلك، ولا يحق لأولادها بعد موتها أن يتمموا البيع نيابة عنها؛ لأنه ما دام الأصل وهي الأم لم تملك ففرعها كذلك لم يملك، ولا حق لأحد أن يبيع ما لا يملك، فإجراءات البيع باطلة، وإجراءات الهبة من الأب صحيحة.
وأما فيما يتعلق بقطعة الأرض، فإنه يجوز للوالد خاصة – لا لغيره – الرجوع في الهبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَن يُعْطِي عَطِيَّةً، أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا، إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ) [أبو داود: 3539]، ويسمى رجوعه: اعتصارًا، قال الدردير رحمه الله: “(وَلِلْأَبِ) فَقَطْ لاَ الْجَدِّ (اعْتِصَارُهَا) أَي الْهِبَةِ” [الشرح الكبير: 110/4]، إلا أن اعتصار الهبة مقيد بقيود، منها عدم فوات الشيء الموهوب، بالتصرف فيه ببيع أو هبة أو زيادة أو نقصان، قال الخرشي رحمه الله: “شَرْطُ صِحَّةِ الاعْتِصَارِ لِلْهِبَةِ أَن لاَ تَفُوتَ مِن عِندِ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ بِبَيْعٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ، أَوْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ”[شرح الخرشي على مختصر خليل: 113/7].
عليه؛ فلا حق للوالد أن يرجع في هبته التي وهبها لابنه الأكبر ويتنازل عنها للأربعة الآخرين؛ لأن الابن الأكبر قد تصرف فيها بالبناء والبيع، فهي حق له، ولا حق فيها لباقي الإخوة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24//محرم//1444هـ
22//08//2022م