بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4874)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما حكم توزيع الأب أملاكه على أبنائه وبناته بالتراضي بينهم، خوفَ تخاصمِهم بعد وفاته؟ وإن كان جائزًا؛ فكيف يكون التوزيع؟ وهل يصحُّ تمييز بعضهم عن بعض؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فتقسيم الرجل أملاكه حال حياته جائزٌ، بشرط ألا يحرم أحدَ الورثةِ منها، وأن يكون فيه مصلحةٌ راجحة، كحاجة الورثة للمال، أو دفعِ مفسدةٍ متوقعةٍ، كاختصام الورثة في المستقبل، وتعدُّ قسمته لأملاكه من قبيلِ الهبة، التي شرطُ تمامها أن يحوزها الموهوب له في حياة الواهب، ويتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة: 117].
والمطلوبُ مِن الوالدينِ شرعًا العدلُ بينَ الأولادِ في الهباتِ، فقد جاء في الصحيحين -واللفظ لمسلم- أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (اتّقوا اللهَ وَاعدِلُوا فِي أَولَادِكُم) [مسلم: 1623]، والأمر بالعدل في الحديثِ حمله جمهور العلماء على الندبِ، قالوا: لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ الحديث: (أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي) [مسلم: 1623]، وهذا إذنٌ بالإشهاد على ذلك، ولأنّه لو كان حرامًا ما فعله الخليفتانِ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد نحل أبوبكر الصديقرضي الله عنه ابنته عائشة رضي الله عنها عشرين وسقًا بالغابة، واختصّها بها دون أختيها، كما جاء ذلك في الموطأ [رقم: 436]، وأعطى عمرُ ابنَه عاصمًا رضي الله عنهما دونَ سائر ولده [السنن الكبرى للبيهقي: 6/292].
فالمطلوب من الوالدين هو العدلُ، وليس التسوية، فلو كان بعض الأبناء مريضًا، أو صغيرًا، أو فقيرًا، أو معه زيادةُ برٍّ وعنايةٍ بوالديه، وميزاهُ بشيءٍ؛ فلا حرجَ في ذلك.
وكيفية التقسيم أنْ يُعطى الذكرُ مثلَ حظ الأنثيين، عند علمائنا، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//ذي القعدة//1443هـ
19//06//2022م