بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5187)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
اشترى والدي منزلًا أرضيًّا بطرابلس، وبنى عليه طابقًا آخر، وبنى فوقَه مُلحقًا، فسكنَ بالطابق الأرضي هو وأمي وزوجة أخي المتوفى وأبناؤه، وأجَّر الطابق الآخر، واستمر الأمر على هذه الحال حتى فقد عقله سنة 2016م، ثم توفي سنة 2023م، والآن تدّعي زوجة أخي المتوفى وأبناؤه، أنّ الوالد لما بنى الطابق الثاني قال: “هذا لأولاد ابني المتوفى”، ولا علم لي بهذا، ولم يخبرني به الوالد، لكن بعض الناس شهدوا بهذا، فهل يحق لهم الآن تملك الطابق الثاني، أم هو ميراث؟ علما أن الوالد كان وصيًّا عليهم، ولم يحوزوا شيئًا بعد بلوغهم حال صحته وعقله، ولم يخصهم بِغَلَّةِ الإيجار.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ من شرطِ تمامِ الهبةِ الحيازة، وذلك بأن يتصرفَ الموهوبُ له في الهبة تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ في حياة الواهب، كي ينتقلَ بها الملك، فإن لم تتم الحيازة حتى حصلَ للواهب مانعٌ؛ من فلس، أو جنون، أو موت، أو مرضٍ مخوف متصلٍ بالموت، فقد بطلتِ الهبة، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “مِنَ العُتبيّةِ رَوَى عِيسَى عَنِ ابنِ القَاسِمِ فِي امرَأَةٍ تَصدّقَتْ بِعَبْدٍ أَوْ دَنانِيرَ فِي صِحّتِها، فَلمْ تُحَزْ عَنْها حَتَّى ذَهبَ عَقْلُهَا، فَهيَ بَاطِلَةٌ كَالمَوْتِ” [النوادر والزيادات: 131/12]، والحيازةُ في كل شيء بحسبهِ، فحيازةُ العقار الموهوب تكونُ بتخليةِ الواهبِ له، وإفراغِه من متاعه، وتصرُّفِ الموهوب له فيه تصرفًا يدلُّ على التملّكِ، كأن يحرثَ الأرضَ، أو يبنيَ عليها، أو يسكنَ الدار أو يُكْرِيَهَا.
ويجوز للوصي إنْ وهبَ لمحجوره الصغير؛ أن يحوزَ عنه، غير أنه يجبُ على الصغير إذا بلغ سنّ الرشد في حياة الواهبِ، أنْ يجدِّدَ الحوزَ بنفسه، فإن لم يفعلْ حتى حصل للواهبِ مانعٌ؛ فقد بطلت الهبة، جاء في سؤال سحنونَ لعبد الرحمن بن القاسم رحمه الله في المدونة قولُهُ: “… فَإِنْ وَهَبَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ -وَهُمْ صِغَارٌ- ثُمَّ أَشْهَدَ لَهُمْ، أَهُوَ الْحَائِزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنْ بَلَغُوا فَلَمْ يَقْبِضُوا -حِينَ بَلَغُوا- هِبَتَهُمْ أَوْ صَدَقَتَهُمْ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ، أَيَكُونُ أَوْلَى بِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَتَكْفِيهِمْ حِيَازَةُ الْأَبِ لَهُمْ إذَا كَانُوا صِغَارًا أَمْ لَا؟ قَالَ [أي ابنُ القاسم]: قَالَ لِي مَالِكٌ: إذَا بَلَغُوا وَأُنِسَ مِنْهُمْ الرُّشْدُ فَلَمْ يَقْبِضُوا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ” [المدونة: 408/4].
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، من أن أولاد الابن لم يحوزوا بعد بلوغهم في حال صحة الواهب؛ فإن هبةَ أبيك الطابقَ الثاني لأحفاده غيرُ صحيحةٍ، لعدم الحوزِ حتى حصولِ المانع بفقده لعقله سنة 2016م، وقد صار بوفاته جميعُ المبنى ميراثًا، يرجع الحق فيه إلى ورثة أبيك كُلِّهم، يقتسمونه حسب الفريضة الشرعية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
01//ذو القعدة//1444هـ
21//05//2023م