طلب فتوى
البيعالتبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

هل يصح قسمة الحبس على المحبّس عليهم قسمة ذات؟ أم قسمة انتفاع أو مهايأة؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5391)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

أشهدَ على نفسه التايب ع ح ق، في سنة 1245هـ: “بأنّه حبس على أولاده (ع) و(ر)، وعلى أبناء أخيه (ح ع) الجد المذكور بينهم أثلاثا، ثم على أبنائهم المذكورين ثم على أبناء أبنائهم كذلك إلى آخر النسل، لا يستحق الفرع شيئا إلا بموت أو حيا [كذا] فيختص بما كان له، ومن مات عن غير فرع ذكر فنصيبه لعاصمت شرع [كذا]، فإن انقرض الجميع كان لبنات المحبّس وبنات بناته، فإذا انقرض كان لأقرب نسل للمحبّس”، ثم ذكرت حدود الحبس، وقد بقي هذا الحبس على الشيوع؛ ينتفع به المحبّس عليهم بغرسه والزراعة فيه لمَن أراد.

فهل يجوز بيع هذا الحبُس، أو قسمته على المحبّس عليهم، بأنْ يقسم إلى ثلاث جهات، ينتفع كل فرعٍ بجهة وتستقلّ كلّ جهة بناظر على الحبس؟ وكيف يكون تعيين الناظر؟ علمًا أن المحبّس لم يشترط ناظرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن هذا الحبس وإن كانت صورته صورة التحبيس على الذكور دون الإناث، فإن السائل ذكر أن المحبس -وإن نص في التحبيس على أنه حبس على ابنيه- فإنه في الواقع لم يحرم البنات؛ لعدم وجودهنّ، فلم يُقدَّر أن يرزق المحبِّس ببنات، فليس هناك من حيث الواقع بنات حُرمن، وعليه فيصحح الوقف؛ بناءً على قاعدة أن العبرة بالموجود لا بالمقصود.

وما دام الوقف قد صحح فلا يجوز بيعه، ولا التَصرّف فيه بأيّ نوعٍ من أنواع التصرّفات التي تذهب عينه؛ لأن ذلك من التَعَدّي على الحبس، والتبديلِ لغرض المحبّس، قال تعالى: (‌فَمَنۢ ‌بَدَّلَهُ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ) [البقرة: 181]، وقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه، في أرضٍ أراد أن يُحبِّسها: (…لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُوهَبُ، وَلاَ يُورَثُ) [البخاري:2764]، وقال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَلاَ يُبَاعُ الحُبُسُ وَإِنْ خَرِبَ” [الرسالة: 119].

وأمّا قسمةُ الحبس على المحبّس عليهم، فلا تجوز أيضًا إن كانت قسمة ذات، ولا تصحُّ إلا إذا قُسِم قسمةَ انتفاع أو مهايأة، بأن يستقلّ كل واحد من المحبس عليهم بجهة ينتفع بها، ويجوز له الغرس والبناء فيها، سواء للسكنى أو للكراء، فإن كان للسكنى سكنها الموقوف عليه ثم تصير لمستحق الوقف من بعده، وأما إن كانت للكراء فإنه يكريها ويأخذ من كرائها قدر ما أنفقه في البناء؛ ثم يكون البناء بعد ذلك للوقف، ويدخل معه في أخذ الكراء سائر الموقوف عليهم، قال ابن رشد رحمه الله: “قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الدَّارِ الْحُبُسِ عَلَى قَبِيلَةٍ فَيَأْتِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَيَبْنِي فِيهَا الْحَوَانِيتَ وَالْبُيُوتَ لِلْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى… قال: أَمَّا السُّكْنَى فَمَنْ سَكَنَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَوْلَى بِمَا سَكَنَ مِمَّا يَكْفِيهِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَأَمَّا مَا بَنَى لِلْغَلَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَاضِيَ نَفْسَهُ بِمَا يَسْتَوْفِي مِنَ الْخَرَاجِ، فَيَتَقَاضَى مِنَ الْخَرَاجِ مَا أَنْفَقَ فِي الْبُنْيَانِ، فَإِذَا تَقَاضَى مَا أَنْفَقَ فِي الْبُنْيَانِ فَالْكِرَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ مَنْ حُبِّسَ عَلَيْهِ” [البيان والتحصيل: 12/279].

وأمّا فيما يتعلق بالناظر على الحبس، فالأصل أن يرجع في ذلك إلى القاضي عند عدم نصّ الواقف عليه؛ ليُعيِّن للنّظارة من يراه أهلًا من أهل الدِّيانة والأمانة، فإن تعذّر ذلك عَيّن الورثة أوثَقهم دِينًا وأحسنهم رأيًا للنّظارة على الحبُس، وقد نقل الحطّاب رحمه الله عن ابن كنانة: “فِيمَنْ حَبَسَ حُبْسًا وَجَعَلَ امْرَأَتَهُ تَلِيهِ وَتَقْسِمُهُ بَيْنَ بَنِيهَا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ فَكَانَتْ تَلِي ذَلِكَ فَمَاتَتْ؛ قَالَ يَلِي ذَلِكَ مِنْ وَرَثَتِهَا أَهْلُ حُسْنِ الرَّأْيِ مِنْهُمْ انْتَهَى… وَهَذَا لَعَلَّهُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ حَاكِمٌ أَوْ فِيهِ وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ وَلَا يَلْتَفِتُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحْبَاسِ أَوْ يَكُونُ نَظَرُهُ فِيهَا سَبَبًا لِهَلَاكِهَا وَضَيْعَتِهَا”[مواهب الجليل: 6/38].

ويجوز أن يكون الناظر واحدًا أو متعدّدًا، بحسب ما تقتضيه حاجةُ الحبُس.

وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فلا يجوز بيع الحبس المذكور، ولا قسمته قسمة ذات؛ بل يقسم قسمة انتفاع أو مهايأة على نحو ما تقدم، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

07/جمادى الأولى/1445هـ

21 – 11- 2023م 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق