بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4405)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تنازل أبي لأخي عن جزءٍ مِن مزرعته، وحازَها أخي ببناءِ بيتٍ عليها، ثم تنازلَ أخي لزوجته عن هذهِ الأرض، ثم أجّرتِ الزوجةُ هذا البيتَ وانتقَلا إلى بيتٍ آخر، وكانت الزوجةُ تقبضُ قيمةَ الإيجارِ، ثم توفي أخي، فقام أبي باسترجاعِ ما تنازلَ عنه لأخي، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسول الله، وعلى آلهِ وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ هذا التنازلَ يعدّ من قبيلِ الهبةِ، والهبةُ شرطها الحيازة، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلَّا بِالحِيَازَةِ” [الرسالة: 117]، والبناء يعد تصرفًا تحصلُ به الحيازةُ، فتنتقلُ الأرض إلى ملك الابنِ بالبناءِ عليها، وأما الرجوع في الهبة فلا يجوزُ، إلّا للوالدِ خاصةً دون غيره؛ لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً، أَوْ َيَهبَ هِبَةً فَيَرْجِعُ فِيهَا، إِلَّا الوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَه) [أبوداود:3539]، ويسمى رجوعه: اعتصارًا، وهو مقيدٌ بعدمِ فواتِ الشيءِ الموهوب، بتصرف الموهوبِ له فيه؛ ببيع أو هبةٍ ونحوه، قال خليل رحمه الله في ذكر موانع الاعتصار: “وَامْتَنَعَ مَعَ تَلَفِ الْمَوْهُوبِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الاعْتِصَارِ، وَكَذَلِكَ إِنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ؛ أَيْ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ” [التوضيح : 7/351].
عليه؛ فإن كان الحال ما ذكر، فلا يجوزُ للوالدِ استرجاعُ قطعة الأرضِ المذكورة؛ لفواتِها بهبتها من الابنِ لزوجتهِ، وحيازتها لها باستئجارِها لها في حياةِ الزوج، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
17//رجب//1442هـ
01//03//2021م