طلب فتوى
البيعالزكاةالعباداتالغصب والتعديالفتاوىالمضاربةالمعاملات

هل يضمن المؤتمن إذا تعدى؟ وهل يعطى من الزكاة لكونه غارما؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5296)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

في بداية سنة 2017م كنت قد ضمنتُ شخصًا في مبلغ مالي، قدره (105,000 د.ل)، وعند حلول وقت السداد هربَ المضمون، وأصبحتُ المُطالَبَ بالسدادِ، ثم في ذاتِ السنة كنت أعمل مع تاجر، فكُلِّفْتُ بنقل مبلغٍ ماليٍّ قدره (350,000 د.ل) من مدينة إلى أخرى، فتعرضتُ لسطوٍ مسلحٍ، سُلِبْتُ فيه المبلغَ كلَّه، فتسلفتُ من الناس المبلغَ وسلمتُه للتاجر، دون أن أخبره بالحادثة، وتركتُ العمل معه، ثم جعلتُ أتسلف من الناس لأسددَ الديون التي عليّ، فكنت آخذ المالَ منهم على وجه القراض، ثم أعطيهمْ كلَّ فترة قدرًا من المال على أنه ربحٌ، وفي الحقيقة لا قراضَ ولا ربح، وإنما آخذ من هذا لأعطيَ ذاك، واستمر الأمر على هذه الحال حتى تفاقمَ وضعي، وغرمتُ الملايين، فهل يجوز لي أخذ الزكاة لسدادِ ديوني، وهل يجوز لي استرجاع ما أعطيته للناسِ على أنه ربحٌ من قراض، وهو مخالفٌ للواقع؟ علمًا أن منهم مَن لم أعطه شيئًا، وهو الآن يطالب برأس المالِ والربح، ومنهم من أعطيته رأسَ ماله دون ربحٍ.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الأصل في المؤتمن على مال لحفظه أو نقله؛ الأمانة، ولا ضمان عليه إذا تلف لديه المال أو ضاع أو سُلب، ما لم يفرط في حفظه أو نقله، قال اللخمي رحمه الله: “وَالأَمِينُ يُصَدَّقُ فِي أَمَانَتِهِ، مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ؛ لأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَهُ أَمِينًا” [التبصرة: 216/5]، والتحايلُ على الناس لأخذ أموالهم بدعوى القراض، بخلاف الواقع؛ فعلٌ محرم شرعا، يعدّ خيانة، وصاحبه غير أمين، قال القاضي عياض رحمه الله: “‌وَالْخِيَانَةُ ‌كُلُّ ‌مَا ‌كَانَ ‌لآخِذِهِ قِبَلَهُ أَمَانَةٌ أَوْ يَدٌ” [شرح الزرقاني على المختصر: 160/8]، وقال النفراوي رحمه الله: “(وَ) مِن الْبَاطِلِ أَيْضًا (التَّعَدِّي) وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ… وَمِنْهُ التَّجَاوُزُ عَنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ” [الفواكه الدواني: 284/2]، والمقارض إنما استُؤمن على المال لغرض التجارة، فحيث تصرّف فيه بخلاف ذلك كان متعديا وليس أمينًا، فيكون ضامنا للأموال التي أخذها، والواجب عليه التوبة إلى الله تعالى والاستغفار، وإرجاع رؤوس الأموال إلى أصحابها، وما دام أَخْذُ هذه الأموال ليس من القراض فلا محلّ للكلام عن الربح.

ولا يجوز إعطاء الزكاة للغارم من المعصية، إلا إذا تاب، وصدقت توبته، قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى في آية الزكاة: (‌وَالْغَارِمِينَ): “هُمُ الَّذِينَ رَكِبَهُمُ الدَّيْنُ وَلاَ وَفَاءَ عِندَهُمْ بِهِ، وَلاَ خِلَافَ فِيهِ، الَّلهُمَّ إِلاَّ مَنْ ادّانَ فِي سَفَاهَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْطَى مِنْهَا، وَلاَ مِنْ غَيْرِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ” [تفسير القرطبي: 3/183].

وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر؛ فإن على السائل التوبة والاستغفار من التحايل على أموال الناس والتعدي الذي وقعَ فيه، وهو ضامنٌ للأموال التي أخذها من الناس، وعليه ردّها لأصحابها، وله أن يستردّ ما أعطاه ربحًا متوهما لبعض دائنيه زيادة على رأس المال، وأما الأخذ من مال الزكاة ليقضيَ ما عليه من هذه الدّيون، فهو جائزٌ، إذا تاب إلى اللّه، وصدقتْ توبتُه.

أمّا فيما يتعلق بالمال الذي ادعى أنه سُلِب منه في الطريق عندما كان يقوم بتوصيله إلى صاحبه، فإن أخبر صاحب المال الآن بذلك وصدّقه في أنّ المال أُخِذ منه بقوّة السلاح فلا ضمان عليه، فلا يجب على من أُخذ منه مال بقوة السلاح في هذه الحالة أن يردّ المال لصاحبه؛ لأنّ صاحب المال صدّقه ولم يتهمه، وإن كان صاحب المال لم يصدّقه في دعوى أخذ المال منه بقوة السلاح واتهمه بتضييعه فإن مَن أخذ المال يكون ضامنا؛ ويصدّق صاحب المال في اتهامه بتضييعه؛ لأن قرائن التحايل على الناس تشهد بعدم أمانته، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

20//صفر//1445هـ

05//09//2023م  

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق