بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4879)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حَبَّس السيد غ أرضًا وذكر حدودها -كما في الوثيقة المرفقة-على ابنه السيد ش، وعلى أولاده وأولاد أولاده وأعقابهم وأعقاب أعقابهم الذكور، ما تناسلوا وامتد فرعهم، لا مدخل فيه للإناث مع الذكور، وجعل للمحتاجة من بنات الذكور أن تتناول من الغلة ما يسد حاجتها، فما حكم الوقف؟ وقد حكم القاضي الحنفي السلطاني السيد الشريف أحمد القاضي بطرابلس، بصحته ونفاذه على قول ابن القاسم، بتاريخ عقد الحبس، عام ستة وثلاثين وألف، وبعد ذلك تخاصم حوله الورثة وترافعوا عند القاضي الحنفي أحمد حسين التوغار، فحكم أيضا بصحته ولزومه وبطلان دعوى المعترضين، ثم بعد صدور قانون 1973م، وفتوى الشيخ الطاهر الزاوي، قام أبي وأعمامي بحصر تركة جدي، وكان منها (سانيتين) إحداهما الوقف المذكور، والأخرى ملك خاص، وقاموا بقسمتها بين الورثة حسب الفريضة الشرعية، وكان نصيب أبي من الإرث كاملا في أرض الوقف، وتصرف كل في نصيبه، ويقيت أرض الوقف، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالحبس على الذكور دون الإناث هو محل اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائز شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) [البخاري: 2587]، وفي المدونة: “رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتَهُمْ مِنْهَا، تَقُولُ: مَا وَجَدتُّ لِلنَّاسِ مَثَلاً الْيَوْمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، إِلّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ خَالِصَةٞ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِنَاۖ وَإِن يَكُن مَّيۡتَةٗ فَهُمۡ فِيهِ شُرَكَآءُۚ﴾” [المدونة: 4/423]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ” [شرح الخرشي: 5/88]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله في المختصر، قال: “وَحَرُمَ – أَيْ الْوَقْفُ – عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ” [مختصر خليل: 212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب.
والحبس على الذكور دون الإناث باطلٌ بالقانون الصادر سنة 1973م، المستند للفتوى الشرعية الصادرة عن مفتي ليبيا السابق الشيخ الطاهر الزاوي، التي أيدها قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء رقم (2) لسنة 1435هــ 2014م، ونصّه: “بُطْلَانُ مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَ صُدُورِ قَانُونِ الْإِلْغَاءِ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ …”.
فإذا صدر حكم بصحة الحبس قبل تاريخ صدور القانون بإلغائه فإنه يمضي؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، جاء في قرار مجلس البحوث: “إمضاءُ مَا كانَ قَبْلَ صُدورِ قَانونِ الإِلغاءِ إِنْ حَكمَ حاكِمٌ بِصحّتهِ؛ لِأنَّ حُكمَ الحَاكمِ يَرفعُ الخِلافَ”.
عليه؛ فإنْ كان الواقع ما جاء في السؤال، فإنّ هذا الحبس المشار إليه على الذكور دون الإناث ماضٍ على ما شرطه الواقف، وذلك لصدور حكم قضائي بصحته قبل صدور القانون رقم 16 لسنة 1973م.
وفيما يتعلق بالأرض المملوكة تعاد قسمتها عليهم بإدخال جميع الورثة ذكورا وإناثا حسب الفريضة الشرعية قسمة ملك، فإن لم يفعل بها ذلك، وتمت قسمتها على بعض الورثة دون بعض وفاتت بالتصرف فيها، رجع على من أخذ شيئا منها بقيمة ما أخذ لصالح باقي الورثة يوم الخصومة والقيام عليه، قال الدردير رحمه الله عن الخطأِ في اقتسام أهل ميراث للتركة: “فَإِنْ تَفَاحَشَ الْجَوْرُ أَو الغَلَطُ بِأَنْ ظَهَرَ ظُهُوراً بَيّنا أَوْ ثَبَتَ بِالبَيِّنَةِ نُقِضَتِ القِسْمَةُ” قال الدسوقي: قَوْلُهُ (نُقِضَت القِسْمَةُ) أي فإن فَاتت الأَمْلَاكُ بِبِنَاءِ أَوْ غَرْسٍ رَجَعَ لِلْقِيمَةِ يَقْسمونها، فَإِنْ فَاتَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ سَائِرُهُ عَلَى حَالِهِ اقْتُسِمَ ما لَمْ يَفُتْ مَعَ قِيمَةِ مَا فَاتَ كَمَا ِفي ح وَغَيْرِهِ” [حاشية الدسوقي: 3/512]،
وفيما يتعلق بأرض الوقف تبقى في أيدي ورثة المحبس عليهم يقتسمونها قسمة انتفاع لا ملك، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//ذي القعدة//1443هـ
19//06//2022م