بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3833)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حبس رجل سنة 1314هـ الأملاك المبينة حدودها في الوثيقة المرفقة على نفسه – مقلدًا لأبي يوسف رحمه الله – ثم على ابْنَيْ صلبه، إلا شيئًا استثناه لزوجته، ثم بعدهم على أبناء أبنائه الذكور دون الإناث، وأعقابهم الذكور، وجعل لمن احتاجت من بنات صلبه أو بنات ابنَيْهِ، وهكذا في كل درجة وطبقة، أنْ تستغل بقدر نصيبها مِن غلةِ الحبس، وجعل لهنَّ السكنى في الدار المذكورة، فإن استغنين بمال أو زوج أو ولد فلا حقَّ لهنّ لا في غلة ولا سكنى، ولا حق لوارثهن، فإن انقطع العقب وأقرب الناسِ للمحبس رجع لمسجد جده المذكور – حسب ما جاء في الوثيقة – فكيف التصرف في هذا الحبس؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالتحبيس على النفس باطل عند جماهير أهل العلم؛ لأنه مما لا نفع فيه، ولا قربى ترتجى من ورائه، وليس فيه سوى التحجير على النفس، قال الخرشي رحمه الله: “… الْحُبْسَ عَلَى النَّفْسِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْوَقْفُ كُلُّهُ بَاطِلًا إذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يُحَزْ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَمَّا إنْ حِيزَ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا يَخُصُّ الْوَاقِفَ فَقَطْ، وَيَصِحُّ مَا يَخُصُّ الشَّرِيكَ، وَيَكْفِي حَوْزُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ فِي صِحَّةِ وَقْفِهَا حَيْثُ تَعَيَّنَتْ، كَأَنْ يَقِفَ دَارَيْنِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى شَخْصٍ، عَلَى أَنَّ لَهُ إحْدَاهُمَا مُعَيَّنَةٌ وَالْآخَرِ الْأُخْرَى” [شرح الخرشي على المختصر: 7/84]، ولكن لما نصَّ الواقف على تقليده لبعض المذاهب المعتبرة لم يصحَّ نقضُه، ويمضي على ما فيه.
أما التحبيس على الذكور دون الإناث، فهذا النوع من الوقف باطلٌ، أُلغي العمل به من تاريخ صدور قانون: 1973م، الذي نص على بطلان الوقف إذا كان على الذكور دونَ الإناث، وذلك بناء على فتوى المفتي السابق، الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله، وجاء في قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية رقم (2) لسنة 1435ه 2014م: “بطلان ما كان منه قبل صدور قانون الإلغاء ولم يحكم حاكم بصحته، وتتم قسمة ما حكم ببطلانه على الجذر الموجود من الذكور والإناث، عند صدور قانون إلغاء التحبيس المذكور، عام 1973م، ومن مات منهم فلورثته ذكورًا وإناثًا”.
عليه؛ فإنّ الحبس المذكور – المُفْتَى ببطلانه – يُقْسَمُ على الذكور والإناث، الموجودين وقت تاريخ صدور القانون سنة 1973م، بحسب الفريضةِ الشرعيةِ، وكأنّ المحبِّسَ مات في ذلك الوقت، فَمن مات أصله قبل سنة 1973م وكان هذا الأصلُ أنثى، فإنه لا يرثُ، ولا يدخل في القسمة، ما لم يحْكُم حاكمٌ بصحتهِ فيَمضى؛ لأنّ حكمَ الحاكم يرفعُ الخلاف، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
04//رجب//1440هـ
11//03//2019م